للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: ومن الآيات التي يستدل بها على وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ١ فالآية دليل على أن من لم يكن الرسول أولى به من نفسه فليس من المؤمنين، وهذه الأولوية تتضمن أمورا منها: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إلى العبد من نفسه، لأن الأولوية أصلها الحب، ونفس العبد أحب إليه من غيره، ومع هذا يجب أن يكون الرسول أولى به منها، فبذلك يحصل له اسم الإيمان.

ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمال الانقياد والطاعة والرضا والتسليم وسائر لوازم المحبة من الرضا بحكمه والتسليم لأمره، وإيثاره على ما سواه.

ومنها: أن لا يكون للعبد حكم على نفسه أصلا، بل الحكم على نفسه للرسول صلى الله عليه وسلم يحكم عليها أعظم من حكم السيد على عبده أو الوالد على ولده، فليس له في نفسه تصرف قط إلا ما تصرف فيه الرسول الذي هو أولى به منها.

ومن العجب أن يدعي حصول هذه الأولوية والمحبة التامة من كان سعيه واجتهاده ونصيبه في الاشتغال بأقوال غيره وتقريرها والغضب والمحبة لها والرضا بها والتحاكم إليها، وعرض ما قاله الرسول عليها، فإن وافقها قبله، وإن خالفها التمس وجوه الحيل وبالغ في رده ليا وإعراضا٢

ولذلك فإنه ينبغي على كل مسلم أن يعلم أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد دعوى تتحقق بتلفظ اللسان فقط - كما يظن كثير من الناس - بل لابد لهذه الدعوى من البرهان الذي يثبت صدقها، وبرهان المحبة تحقيق الأولوية في شتى


١ الآية (٦) من سورة الأحزاب.
٢ الرسالة التبوكية (ص ٢٩، ٣٠) بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>