للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستحقه غير قريش من القبائل، كما أن جنس العرب يستحق من المحبة والموالاة مالا يستحقه سائر أجناس بني آدم، وهذا على مذهب الجمهور الذين يرون فضل العرب على غيرهم، وفضل قريش على سائر العرب وفضل بني هاشم على سائر قريش، وهذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره١.


١ هذا من تفضيل الجملة على الجملة وهو لا يقتضى تفضيل كل فرد على كل فرد فالعرب في الأجناس، وقريش فيها ثم هاشم في قريش، مظنة أن يكون فيهم من الخير أعظم مما يوجد في، غيرهم، ولهذا كان في بنى هاشم النبي صلى الله عليهم وسلم الذي لا يماثله أحد في قريش فضلا عن وجوده في سائر العرب وغير العرب، وكان في قريش الخلفاء الراشدون وسائر العشرة وغيرهم ممن لا يوجد له نظير في العرب وغير العرب، وكان في العرب من السابقين الأولين من لا يوجد له نظير في سائر الأجناس. فلابد أن يوجد في الصنف الأفضل ما لا يوجد مثله في المفضول. وقد يوجد في المفضول ما يكون أفضل من كثير مما يوجد في الفاضل كما أن الأنبياء الذين ليسوا من العرب أفضل من العرب الذين ليسوا بأنبياء، والمؤمنون المتقون من غير قريش أفضل من القرشيين الذين ليسوا مثلهم في الإيمان والتقوى، وكذلك المؤمنون المتقون من قريش وغيرهم أفضل ممن ليس مثلهم في الإيمان والتقوى من بني هاشم. فهذا هو الأصل المعتبر في هذا الباب دون من ألغى فضيلة الأنساب مطلقا ودون من ظن أن الله تعالى يفضل الأنسان بنسبه على من هو مثله في الإيمان والتقوى، فضلا عمن هو أعظم إيمانا وتقوى، فكلا القولين خطأ وهما متقابلان، بل الفضيلة بالنسب فضيلة جملة وفضيلة لأجل المظنة والسبب.
والفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية.
فالأول: يفضل به لأنه سبب وعلامة، ولأن الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد.
والثاني: يفضل به لأنه الحقيقة والغاية، ولأن كل من كان أتقى لله كان أكرم عند الله، والثواب من الله يقع على هذا، لأن الحقيقة قد وجدت، فلم يعلق الحكم بالمظنة، ولأن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه، فلا يستدل بالأسباب والعلامات
فالاعتبار العام هو التقوى كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} الآية (١٣) من سورة الحجرات. فكل من كان أتقى كان أفضل مطلقا، وإذا تساوى اثنان في التقوى استويا في الفضل سراء كانا أو أحدهما عربيين أو أعجميين، أو قرشيين أو هاشميين أو كان أحدهما من صنف والآخر من صنف، وإن قدر أن أحدهما له من سبب الفضيلة ومظنتها ما ليس للآخر، فإذا كان ذلك قد أتى بحقيقة الفضيلة كان أفضل ممن لم يأت بحقيقتها، وإن كان أقدر على الإتيان بها، فالعالم خير من الجاهل، وإن كان الجاهل أقدر على تحصيل العلم.
انظر: منهاج السنة (٤/ ٦٠٢- ٦٠٣- ٦٠٤- ٦٠٨) بتصرف

<<  <  ج: ص:  >  >>