للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسنن وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف"١. فجوز النبي صلى الله عليه وسلم القراءة بكل حرف من تلك الأحرف، وأخبر أنه "شافي كافي" ومعلوم أن المشروع في ذلك أن يقرأ بتلك الأحرف على سبيل البدل لا على سبيل الجمع كما كان الصحابة يفعلون.

الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين تلك الألفاظ الختلفة في آن واحد، بل إما أن يكون قال هذا مرة وهذا مرة كألفاظ الاستفتاح والتشهد، وأذكار الركوع والسجود وغيرها، فاتباعه صلى الله عليه وسلم يقتضي أن لا يجمع بينها، بل يقال هذا مرة وهذا مرة.

وإما أن يكون الراوي قد شك في أي الألفاظ قال، فإن ترجح عند الداعي بعضها صار إليه وإن لم يترجح عنده بعضها كان مخيرا بينهما، ولم يشرع له الجمع، فإن هذا نوع ثالث لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيعود الجمع بين تلك الألفاظ في آن واحد على مقصود الداعي بالإبطال لأنه قصد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ففعل ما لم يفعله قطعا.

ومثال ما يترجح فيه أحد الألفاظ حديث الاستخارة فإن الراوي شك هل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري" أو قال: "وعاجل أمري وآجله" ٢ بدل "وعاقبة أمري" والصحيح اللفظ الأول وهو قوله "وعاقبة أمري" لأن عاجل الأمر وآجله هو مضمون قوله "ديني ومعاشي وعاقبة أمري" فيكون الجمع بين المعاش وعاجل الأمر وآجله تكرارا، بخلاف ذكر المعاش والعاقبة، فإنه لا تكرار فيه، فإن


١ أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف. فتح الباري (٩ / ٢٣) ح ٤٩٩٢، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه (٢/ ٢٠٢) .
٢ أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، فتح الباري (٣/ ٤٨) ح ١١٦٢ وقد جاءت رواية البخاري على الشك الذي ذكره ابن القيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>