حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة

المبحث الأول: تعريف الغلو وموقف الشرع منه - المطلب الثاني: التعريف الشرعي للغلو وموقف الشرع منه - ج: 2 - ص: 647

والتحريم، والعكوف على قبورهم وتقديسها بعد موتهم.

٣- ابتداعهم الرهبانية.

والله سبحانه وتعالى بذكره لأحوالهم في كتابه العزيز يحذرنا من الوقوع فيما وقعوا فيه، وفي هذا دعوة للاعتبار بالأم السابقة ومعرفة سبب هلاكها وضرورة اجتنابه قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَاب} ١. والغلو عند النصارى هدم أصلي الدين: ١- التوحيد، ٢- الإتباع.

فهم هدموا الأصل الأول بجعلهم عيسى في مقام الألوهية. وهدموا الأصل الثاني بأن جعلوا لرهبانهم حق التشريع والتحليل والتحريم.

فانظر كيف كان الغلو سبيا لهدم الدين.

فإن المسيح قال لهم {اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُم} وقال {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} ٢ فلو امتثلوا أمره كانوا مطعين لرسول الله موحدين لله، ونالوا بذلك السعادة من الله في الدنيا والآخرة، ولكنهم غلوا فيه واتخذوه وأمه إلهين من دون الله، يستغيثون به وبغيره من الأنبياء والصالحين ويطلبون منهم ويشركون بهم، وكذبوا بالرسول الذي بشر به، وحرفوا التوراة التي صدق بها وظنوا في ذلك أنهم معظمون للمسيح وكان هذا من جهلهم وضلالهم، فإنهم لو أطاعوه فيما دعاهم إليه لكان له مثل أجورهم، وكانت طاعتهم له والإقرار بعبوديته وبما بشر به فيه له ولهم من الأجر ما لا يحصيه إلا الله،

---

١ الآية (١١١) من سورة الصف.
٢ الآية (٦) من سورة الصف.