للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله ال فقال: " أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " ١.

فسمى النبي صلى الله عليه وسلم الغلو في جانب العبادات والسنن التي سنها لهم رغبة عن الشرع الذي جاء به، وتبرأ ممن هذه حاله، حتى وإن كان الدافع لذلك التقرب إلى الله تعالى ذلك لأن هذا الغلو فيه هدم للأصل الثاني من أصول هذا الدين ألا وهو الإتباع فنحن مأمورون بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم والأخذ بسنته. والغلو في هذا الجانب مناقض تماما لهذا الأصل، ولذلك فلا غرابة أن يتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم ممن غلا في جانب ما سنه وشرعه للأمة.

لأنه لو فتح هذا الباب وولجته الأمة لأصبحت عبادة الله مجالا لأهواء الناس وعقولهم وبذلك يتلاشى دينها وتنطمس معالمه فتستحق بذلك غضب الله ومقته فتهلك كما هلكت الأم السابقة.

وعن أنس رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال " ما هذا الحبل؟ " قالوا: هذا حبل زينب فإذا فترت تعلقت به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليرقد" ٢ وعند مسلم " حبل لزينب تصلي ".


١ تقدم تخريجه.
٢ أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب ما يكره من التشديد في العبادة. انظر: فتح الباري (٣٦١٣) ح ١١٥٠. وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب المساجد ومراجع الصلاة، باب أمر من نعس في صلاته ... (٢/١٨٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>