فظنوا أن قول القائل استغثت بفلان كقوله، سألت بفلان.
والمتوسل إلى الله بغائب أو ميت تارة يقول: أتوسل إليك بفلان، وتارة يقول أسألك بفلان.
فإذا قيل ذلك بلفظ الاستغاثة فإما أن يقول أستغيثك بفلان، أو أستغيث إليك بفلان. ومعلوم أن كلا هذين القولين ليس من كلام العرب.
وأصل الشبهة على هذا التقدير، أنهم لم يفرقوا بين الباء في استغثت به التي يكون المضاف بها مستغاثا مدعوًا مسؤلاً مطلوبًا منه.
فإذا قيل توسلت به، أو سألت به، أو توجهت به فهي الاستغاثة كما تقول كتبت بالقلم. وهم يقولون استغيثه به من الإغاثة كما يقولون استغثت الله واستغثت به من الغوث، فالله في كلا الموضعين مسؤول مطلوب منه.
وإذا قالوا لمخلوق استغثته واستغثت به من الغوث كان المخلوق مسؤلاً مطلوبًا منه.
وأما إذا قالوا استغثت به من الإغاثة فقد يكون مسؤلاً وقد لا يكون مسؤلاً.
وكذلك استنصرته، واستنصرت به، فإن المستنصر يكون مسؤلاً مطلوبًا.
وأما المستنصر به فقد يكون مسؤلاً وقد لا يكون مسؤلاً. فلفظ الاستغاثة في الكتاب والسنة وكلام العرب إنما هو مستعمل بمعنى الطلب من المستغاث به.
وقول القائل: استغثت فلانا واستغثت به بمعنى طلبت منه الإغاثة لا بمعنى توسلت به.
فلا يجوز للإنسان الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله"١.
فإذا كان معنى الاستغاثة هو الطلب منه، فما الدليل على أن الطلب منه ميتًا