للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولا تخلو القصيدة من ميل إلى تكلف البديع نادرًا، وإلى الزخرف بقدر لا بإفراط، مثل البيت الثالث، وكذلك قوله: "فقام وقاموا واستقاموا بحجة - بحجة قرآن"، والبيت الأخير في شبابه وشيبته، وداع وراع، ويقول الشيخ محمد أحمد الحفظي في قصيدته "دين الله باق" ومطلعها:

بدا الخير العظيم وقد تجلى ... لنا نور الهدى والشر ولى

وصار الناس إخوانًا جهارًا ... وولى الله كلًّا ما تولى

ودين الله باق في ظهور ... له كل العلو وليس يُعلَى

فعض عليه واستمسك بخير ... وشد إليه راحلة ورحلا

وقول إلهنا غض طري ... جديد ليس يخلق ذا ويبلى

مكين في الصدور له بيان ... كذاك بألسن القراء يتلى

وهذه السنة الغراء فيها ... بيان وهي بين الناس تملى

وقد روت الصحابة كل عدل ... بلا علل لما علا وأملى

وما قرن من الأعوام إلا ... وفيه مجدد كثيرًا وقلا

وفي هذا الزمان بلا خفاء ... بدا تجديدها فرعًا وأصلا

من الشيخ الإمام أبي حسين ... محمد الذي للحق جلى

وآزره الإمام أبو سعود ... وسلسل مسند والسيف سلا١

وهكذا إلى نهاية القصيدة، في قوة شاعرية، وسلامة في التعبير، وروعة في التصوير، وسيولة في الألفاظ والتراكيب، بلا تعمل أو تكلف، مع شرف الغرض، وسمو الهدف، ونبل الغاية، ووحدة الموضوع في القصيدة من أول بيت فيها إلى نهايتها، وتلاؤم في التصوير الأدبي بين المعاني والأفكار وبين الألفاظ والأساليب والصور الخيالية، وانسجام بين العاطفة الدينية القوية وبين صورها في القصيدة مستخدما وسائل التعبير التي تتناسب مع الغرض الديني من القصيدة، وهذه الخصائص الفنية تسير على منهج المحافظين وطريقتهم الفنية.

وهذا الشاعر الشيخ محمد أحمد الحفظي ولد في بلدة "رجال ألمع" في ١٦/ ٥/ ١١٧٨هـ، وتلقى علومه على يد أبيه، ثم رحل إلى المخلاف السليماني في سبيل العلم، ثم إلى اليمن ليكمل علومه، ثم إلى حضرموت، ثم إلى بلدته، وكان يحارب ببسالة مع الجيش السعودي، ثم عين نائبًا للقضاء، ثم قاضيًا في عسير، وله "الألفية الحفظية" و"درجات الصاعدين إلى مقامات الموحدين"، و "النفحات العنبرية في الخطب المنبرية"


١ المرجع السابق: ص٩٩.

<<  <   >  >>