فِي حَقِّ الْأَخِيرِ، وَإِنْ اشْتَرَكُوا فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى سَوَاءٍ وَلَمْ يَسْبِقْ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، تَحَاصُّوا فِيهِ: إمَّا بِقِسْمَةِ الْمَاءِ وَإِمَّا بِالْمُهَايَأَةِ عليه. القسم الثَّانِي: أَنْ يَسْتَنْبِطَهَا الْآدَمِيُّونَ فَتَكُونَ مِلْكًا لِمَنْ استنبطها، ويملك معها حريمها وهو خمسمائة ذراع" كأنه ذهب إليه. وكذلك في رواية إبراهيم بن هانئ في الرجل يحفر العين إلى جنب عين الرجل قال: " يروى عن الزهري أنه قال: حريم العين خمسمائة ذراع " كأنه ذهب إليه ليس له منعه.
وقد ذكرنا فيما تقدم حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " حريم العي السائحة ثلاثمائة ذراع، وحريم الزرع ستمائة ذِرَاعٍ". وَلِمُسْتَنْبِطِ هَذِهِ الْعَيْنِ سَوْقُ مَائِهَا إلَى حيث شاء، وكان ما جرى فيه ماؤه ملكا له وحريما لها. القسم الثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَنْبِطَهَا الرَّجُلُ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونَ أحق بمائها كشرب أَرْضِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ كِفَايَتِهَا فَلَا حَقَّ له عليه فيها إلَّا لِشَارِبٍ مُضْطَرٍّ، وَإِنْ فَضَلَ عَنْ كِفَايَتِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُحْيِيَ بِفَضْلِهِ أَرْضًا مَوَاتًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لِشُرْبِ مَا أَحْيَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ لِمَوَاتٍ أَحْيَاهُ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِأَرْبَابِ الْمَوَاشِي دون الزروع كَفَضْلِ مَاءِ الْبِئْرِ، فَإِنْ اعْتَاضَ عَلَيْهِ مِنْ أرباب الزروع جاز، وإن اعتاض عليه من أرباب المواشي لم يجز، ولا يجوز لِمَنْ احْتَفَرَ فِي الْبَادِيَةِ بِئْرًا فَمَلَكَهَا أَوْ عينا استنبطها أن يبيعها. وهذا على كلام أحمد في رواية أبي طالب " لا يبيع نقع ماء البئر لأحد، ولم يفرق بين أن يحفرها في البادية أو في ملكه لنفسه وقد قيل: يجوز بيعها".
فصل في الحمي والإرفاق وَحِمَى الْمَوَاتِ:
هُوَ الْمَنْعُ مِنْ إحْيَائِهِ إمْلَاكًا، لِيَكُونَ مُسْتَبْقَى الْإِبَاحَةِ لِنَبْتِ الْكَلَأِ، وَرَعْيِ الْمَوَاشِي، وقد حَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة جبلا بالنقيع. وَقَالَ " هَذَا حِمَايَ " وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْقَاعِ، وَهُوَ قَدْرُ مِيلٍ فِي سِتَّةِ أَمْيَالٍ، حَمَاهُ لخيل المسلمين من الأنصار والمهاجرين. وأما حمي الأئمة بعده: فإن عموا بِهِ جَمِيعَ الْمَوَاتِ أَوْ أَكْثَرَهُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ حَمَوْا أَقَلَّهُ لِخَاصٍّ مِنْ النَّاسِ، أَوْ لأغنيائهم لم يجز، وإن حموا لكافة المسلمين أو للفقراء والمساكين.