بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا خاتم النبيين؛ وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليماً كثيراً.
قال القاضي الإمام أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء رضى الله عنه: الحمد لله حق حمده، والصلاة عل نبيه وآله وصحبه وسلم. أما بعد:
فإني كنت صنفت كتاب الإمامة، وذكرته في أثناء كتب المعتمد، وشرحت فيه مذاهب المتكلمين وحجاجهم، وأدلتنا، والأجوبة عما ذكروه. وقد رأيت أن أفرد كتاباً في الإمامة، أحذف فيه ما ذكرته هناك مع الخلاف والدلائل، وأزيد فيه فصولا أخر، تتعلق بما يجوز للإمام فعله من الولايات وغيرها، أسأل الله الكريم العون على ذلك، والنفع به إن شاء.
[فصول في الإمامة]
نصبة الإمام واجبة وقد قال أحمد - رضي الله عنه - _ في رواية محمد بن عوف بن سفيان الحمصي -: الفتنة إذا لم تكن يقوم بأمر الناس. والوجه فيه: أن الصحابة لما اختلفوا في السقيفة، فقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، ودفعهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وقالوا:" إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش " ورووا في ذلك أخباراً، فلولا أن الإمامة واجبة لما ساغت تلك المحاورة والمناظرة عليها، ولقال قائل: ليست بواجبة لا في قريش ولا في غيرهم. وطريق وجوبها السمع لا العقل، لما ذكرناه في غير هذا الموضع، وأن العقل لا يعلم به فرض شيء ولا إباحته، ولا تحليل شيء ولا تحريمه. وهي فرض على الكفاية، مخاطب بها طائفتان من الناس. إحداهما: أهل الاجتهاد حتى يختاروا. والثانية: من يوجد فيه شرائط الإمامة حتى ينتصب أحدهم للإمامة. أما أهل الاختيار فيعتبر فيهم ثلاث شروط. أحدها: العدالة. وَالثَّانِي: الْعِلْمُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ من يستحق الإمامة.
والثالث: أن يكون من أهل الرأي والتدبير المؤديين إلى اختيار من هو للإمامة أصلح، وليس لمن كان في بلد مزية على غيره من أهل البلاد يتقدم بها، وإنما صار من يختص ببلد الإمام متولياً لعقد الإمامة لسبق علمه بموته، ولأن من يصلح للخلافة في الغالب موجودون في بلده.