ما قبل خَمْسِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَكَانَ مِنْهَا صَلَاتُهُ وَعَطَايَاهُ، ثُمَّ تَنَاقَلَهَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ فَلَمَّا كَانَ عام الجماجم سنة اثنين وَثَمَانِينَ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ أَحْرَقَ الدِّيوَانَ، وَأَخَذَ كُلُّ قَوْمٍ مَا يَلِيهِمْ. فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْعَامِرِ لَا يَجُوزُ إقْطَاعُ رَقَبَتِهِ، لِأَنَّهُ قد صار باصطفائه لبيت الْمَالَ الْمَوْضُوعَ فِي حُقُوقِهِ، وَالسُّلْطَانُ فِيهِ بِالْخِيَارِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ فِي الْأَصْلَحِ بَيْنَ أَنْ يستغله لبيت المال كما فعل عمر، وبين أن يتخير له من ذوي القدرة والمكنة وَالْعَمَلِ مَنْ يَقُومُ بِعِمَارَةِ رَقَبَتِهِ بِخَرَاجٍ يُوضَعُ عليه مقدرا، ويكون الخراج أجرة يصرف في وُجُوهِ الْمَصَالِحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا بِالْخُمُسِ فَيُصْرَفُ فِي أَهْلِ الْخُمُسِ., فَإِنْ كَانَ مَا وَضَعَهُ مِنْ الْخَرَاجِ مُقَاسَمَةً عَلَى الشَّطْرِ مِنْ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ جَازَ فِي النَّخْلِ. كَمَا سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خيبر على النصف من ثمار النخل. وجوازه في الزروع معتبر باختلاف الفقهاء في جواز المخابرة /، أَجَازَهَا أَجَازَ الْخَرَاجَ بِهَا، وَمَنْ مَنَعَ مِنْهَا مَنَعَ مِنْ الْخَرَاجِ بِهَا. وَقِيلَ بَلْ يَجُوزُ الخراج بها وإن منع من المخابرة عليها، لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ عُمُومِ الْمَصَالِحِ الَّتِي يَتَّسِعُ حُكْمُهَا عَنْ أَحْكَامِ الْعُقُودِ الْخَاصَّةِ، وَيَكُونُ العشر واجبا في الزروع دون الثمرة، لأن الزرع ملك لزراعه، وَالثَّمَرَةُ مِلْكٌ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَصْرُوفَةٌ فِي مَصَالِحِهِمْ.
القسم الثَّانِي مِنْ الْعَامِرِ أَرْضُ الْخَرَاجِ، فَلَا يَجُوزُ إقطاع رقابها تمليكا، لأنها تنقسم على ضربين. ضرب تكون رقابها وقفا وخراجها أجرة، وتمليك الْوَقْفِ لَا يَصِحُّ بِإِقْطَاعٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَا هبة. وضرب تكون رِقَابُهَا مِلْكًا وَخَرَاجُهَا جِزْيَةً، فَلَا يَصِحُّ إقْطَاعُ مملوك لغير مالكه. فأما إقطاع خراجها فسنذكره من بعد إقطاع الاستغلال. وقد قال أحمد في رواية الأثرم ومحمد بن حرب - وقد ذكر له أن عثمان أقطع عبد الله وخبابا، فقال:" هذا يقوي أن أرض السواد ليست بملك من هي في يده، فلو كان عمر ملكها من هي في يديه لم يقطع عثمان". فقد نص على أنه لا يجوز إقطاع رقبة مملوكة. القسم الثَّالِثُ مَا مَاتَ عَنْهُ أَرْبَابُهُ وَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ وارث بِفَرْضٍ وَلَا تَعْصِيبٍ، فَيَنْتَقِلُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ مصروفا في مصالح المسلمين، لا على طريق الميراث. وقد قال أحمد في رواية المروزي " في الأرض الميتة إذا كانت لم تملك، فإن ملكت فهي فيء للمسلمين، مثل من مات وترك مالا لا يعرف له وارث".