وَإِذَا صَحَّ الْإِقْطَاعُ فَأَرَادَ السُّلْطَانُ اسْتِرْجَاعَهُ مِنْ مَقْطَعِهِ جَازَ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدَ السَّنَةِ الَّتِي هي فِيهَا، وَيَعُودُ رِزْقُهُ إلَى دِيوَانِ الْعَطَايَا، فَأَمَّا فِي السَّنَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا فَيَنْظُرُ، فَإِنْ حَلَّ رِزْقُهُ فِيهَا قَبْلَ حُلُولِ خَرَاجِهَا لَمْ يسترجع منه في سننه لِاسْتِحْقَاقِ خَرَاجِهَا فِي رِزْقِهِ، وَإِنْ حَلَّ خَرَاجُهَا قَبْلَ حُلُولِ رِزْقِهِ جَازَ اسْتِرْجَاعُهُ مِنْهُ، لِأَنَّ تعجيل المؤجل وإن كان جائزا فليس بلازم. فأما أرزاق من عَدَا الْجَيْشَ إذَا أَقْطَعُوا بِهَا مَالَ الْخَرَاجِ فتنقسم ثلاثة أقسام: أحدها: من يرزق عَلَى عَمَلٍ غَيْرِ مُسْتَدِيمٍ: كَعُمَّالِ الْمَصَالِحِ، وَجُبَاةِ الْخَرَاجِ، فَالْإِقْطَاعُ بِأَرْزَاقِهِمْ لَا يَصِحُّ، وَيَكُونُ مَا حصل لهم من مال الخراج تسبيبا وحوالة بعد استحقاق الرزق وحلول الخراج. القسم الثاني: من يرزق على عمل مستديم يجري رزقه مجرى الجعالة وهم الناظرون في أعمال البر التي يصح التطوع بها إذا تزقوا عليها كالمؤذنين والأئمة، فيكون ما جعل لهم في أرزاقهم تسبيبا وحوالة عليه ولا يكون إقطاعا. القسم الثَّالِثُ: مَنْ يُرْتَزَقُ عَلَى عَمَلٍ مُسْتَدِيمٍ وَيَجْرِي رِزْقُهُ مَجْرَى الْإِجَارَةِ، وَهُوَ مَنْ لَا يَصِحُّ نَظَرُهُ إلَّا بِوِلَايَةٍ وَتَقْلِيدٍ: مِثْلُ الْقُضَاةِ، وَالْحُكَّامِ وَكُتَّابِ الدَّوَاوِينِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقْطَعُوا بِأَرْزَاقِهِمْ خَرَاجَ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَحْتَمِلُ جَوَازُ إقْطَاعِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ كَالْجَيْشِ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ، لِمَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ مِنْ الْعَزْلِ وَالِاسْتِبْدَالِ. وَأَمَّا إقْطَاعُ الْمَعَادِنِ وَهِيَ الْبِقَاعُ الَّتِي أَوْدَعَهَا الله تعالى الجواهر في الأرض، فهي ضربان: ظاهرة، وباطنة. أما الظاهرة فما كَانَ جَوْهَرُهَا الْمُسْتَوْدَعُ فِيهَا بَارِزًا كَمَعَادِنِ الْكُحْلِ، والملح، والنفظ. فهو كَالْمَاءِ الَّذِي لَا يَجُوزُ إقْطَاعُهُ، وَالنَّاسُ فِيهِ شرع يأخذه من ورد إليه. وقد نص عليه في رواية حرب وقد سئل عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنه أقطع رجلا معدن الملح الذي بمأرب فقيل له: إنه بمنزلة الماء العد، فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " معدن ملح ينتابه الناس في الصحراء يأخذون الملح ليس هو بملك أحد، أخذه السلطان فأقطعه رجلا فمنع الناس منه، فكرهه وقال: هذا للمسلمين".