للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والديوان بالفارسية: اسم للشياطين، فسمي الكتاب باسمهم لحذقهم بالأمور ووقوفهم منها عَلَى الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ وَجَمْعِهِمْ لِمَا شَذَّ وَتَفَرَّقَ، ثُمَّ سُمِّيَ مَكَانُ جُلُوسِهِمْ بِاسْمِهِمْ، فَقِيلَ دِيوَانٌ. وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الدِّيوَانَ فِي الْإِسْلَامِ عُمَرُ بن الخطاب. فأما سبب وضعه فروى أن عمر استشار الناس في تدوين الدواوين، فقال علي بن أبي طالب " تُقَسِّمُ كُلَّ سَنَةٍ مَا اجْتَمَعَ إلَيْكَ مِنْ الْمَالِ وَلَا تُمْسِكْ مِنْهُ شَيْئًا " وَقَالَ عُثْمَانُ بن عفان " أرى مالا كثيرا يسع الناس، وإن لَمْ يُحْصُوا حَتَّى يُعْرَفَ مَنْ أَخَذَ مِمَّنْ لم يأخذ حشيت أَنْ يَنْتَشِرَ الْأَمْرُ فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ " قد كنت بالشام فرأيت ملوكها دَوَّنُوا دِيوَانًا وَجَنَّدُوا جُنُودًا فَدَوِّنْ دِيوَانًا وَجَنِّدْ جُنُودًا" فَأَخَذَ بِقَوْلِهِ. وَدَعَا عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَمَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، وَجُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، وكانوا من نبهاء قريش وأعلمهم بأنسابهم فقال " اُكْتُبُوا النَّاسَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ " فَبَدَءُوا بِبَنِي هَاشِمٍ فَكَتَبُوهُمْ ثُمَّ أَتْبَعُوهُمْ أَبَا بَكْرٍ وَقَوْمَهُ ثُمَّ عُمَرَ وَقَوْمَهُ، وَكَتَبُوا الْقَبَائِلَ وَوَضَعُوهَا عَلَى الْخِلَافَةِ، ثم دفعوه إلَى عُمَرَ، فَلَمَّا نَظَرَ فِيهِ قَالَ: " لَا، وَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ هَكَذَا، وَلَكِنْ ابْدَءُوا بِقَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَقْرَبَ ثم الأقرب، حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله تعالى، فشكره العباس على ذلك وقال " وصلتك رحم".

فروى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ بَنِي عَدِيٍّ جَاءُوا إلَى عُمَرَ فَقَالُوا: إنَّك خَلِيفَةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَخَلِيفَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فلو جعلت نفسك حيث جعلك هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ كَتَبُوا؟ فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ يَا بَنِي عَدِيٍّ، أَرَدْتُمْ الْأَكْلَ عَلَى ظَهْرِي وأن أهب حسناتي لكم، لا والله حتى تأتيكم الدعوة وإن انطبق عليكم الدفتر، يعني لو أن تُكْتَبُوا آخِرَ النَّاسِ- إنَّ لِي صَاحِبِينَ سَلَكَا طريقا، فإن خالفتهما خولف بي، والله ما أدركنا الفضل في الدنيا، ولانرجو الثواب في الآخرة عَلَى عَمَلِنَا إلَّا بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ شَرَفُنَا، وَقَوْمُهُ أَشْرَفُ الْعَرَبِ، ثُمَّ الأقرب بالأقرب، ووالله لَئِنْ جَاءَتْ الْأَعَاجِمُ بِعَمَلٍ وَجِئْنَا بِغَيْرِ عَمَلٍ لهم أولى برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فإن من قصر به عمله لم يسرع به نسبه".

<<  <   >  >>