وإذا تَقَدَّرَ رِزْقُهُ بِالْكِفَايَةِ، هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عليها إذا اتسع المال؟ ظاهر كلام أحمد: أنه يجوز زِيَادَتَهُ عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا اتَّسَعَ الْمَالُ لَهَا، لأنه قال في رواية أبي النضر العجلي:" والفيء بين الغني والفقير". فقد جعل للغني فيها حقا، والغني إنما يكون فيما فضل عن حاجته، وهو قول أبي حنيفة، خلافا للشافعي في قوله: لا يجوز ذلك. وَيَكُونُ وَقْتُ الْعَطَاءِ مَعْلُومًا يَتَوَقَّعُهُ الْجَيْشُ عِنْدَ الاستحقاق. وهو معتبر بالوقت الذي يستوفي فِيهِ حُقُوقُ بَيْتِ الْمَالِ. فَإِنْ كَانَتْ تُسْتَوْفَى فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مِنْ السَّنَةِ جُعِلَ الْعَطَاءُ فِي رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَوْفَى فِي وَقْتَيْنِ جُعِلَ الْعَطَاءُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مرتين.
وإن كانت تستوفي كُلِّ شَهْرٍ جُعِلَ الْعَطَاءُ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ، لِيَكُونَ الْمَالُ مَصْرُوفًا إلَيْهِمْ عِنْدَ حُصُولِهِ فَلَا يُحْبَسُ عَنْهُمْ إذَا اجْتَمَعَ، وَلَا يُطَالِبُونَ به إذا تأخر. وإذا تأخر العطاء عنهم عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ، وَكَانَ حَاصِلًا فِي بَيْتِ الْمَالِ، كَانَ لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ كَالدُّيُونِ الْمُسْتَحَقَّةِ. وَإِنْ أَعْوَزَ بَيْتُ الْمَالِ - لِعَوَارِضَ - أَبْطَلَتْ حُقُوقَهُ، أَوْ أَخَّرَتْهَا كَانَتْ أَرْزَاقُهُمْ دَيْنًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ: وَلَيْسَ لَهُمْ مُطَالَبَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ بِهِ، كَمَا لَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ مُطَالَبَةُ مَنْ أَعْسَرَ بِدَيْنِهِ. وَإِذَا أَرَادَ وَلِيُّ الْأَمْرِ إسْقَاطَ بَعْضِ الْجَيْشِ بسبب أَوْجَبَهُ أَوْ لِعُذْرٍ اقْتَضَاهُ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ سَبَبٍ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُمْ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ فِي الذَّبِّ عَنْهُمْ. وَإِذَا أَرَادَ بَعْضُ الْجَيْشِ إخْرَاجَ نَفْسِهِ مِنْ الدِّيوَانِ جَازَ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَلَمْ يَجُزْ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ إلَّا أن يكون معذورا. وإذا جرد الجيش للقتال، فامتنعوا - وهم أكفاء من جاربهم - سقطت أرزاقهم. وإن ضعفوا عنه لَمْ تَسْقُطْ. وَإِذَا نَفَقَتْ دَابَّةُ أَحَدِهِمْ فِي حَرْبٍ عُوِّضَ عَنْهَا، وَإِنْ نَفَقَتْ فِي غَيْرِ حَرْبٍ لَمْ يُعَوَّضْ. وَإِذَا اُسْتُهْلِكَ سِلَاحُهُ فِيهَا عوض عنه إن لم يَدْخُلُ فِي تَقْدِيرِ عَطَائِهِ، وَلَمْ يُعَوَّضْ إنْ دَخَلَ فِيهِ. وَإِذَا جُرِّدَ لِسَفَرٍ أُعْطِيَ نَفَقَةَ سفره، وإن لم يدخل في تقدير عطائه، ولم يعط إن دخل فيه. وإذا مات أحدهم أو قتل وكان ما استحقه مِنْ عَطَائِهِ مَوْرُوثًا عَنْهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ دَيْنٌ لِوَرَثَتِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ. فأما استيفاء نَفَقَاتِ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ عَطَائِهِ فِي دِيوَانِ الْجَيْشِ فيحتمل أن تسقط نَفَقَتُهُمْ مِنْ دِيوَانِ الْجَيْشِ لِذَهَابِ مُسْتَحَقِّهِ. وَيُحَالُونَ على مال الغنيمة والصدقة من سهم الفقراء والمساكين. ويحتمل أن يَسْتَبْقِي مِنْ عَطَائِهِ نَفَقَاتِ ذُرِّيَّتِهِ، تَرْغِيبًا لَهُ في المقام، وبعثا له على الإقدام. فإن حدث به زمانة، فهل يسقط عطاؤه؟ يحتمل أن يَسْقُطُ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ قَدْ عُدِمَ، ويحتمل أنه باق في العطاء ترغيبا في التجنيد والارتزاق.