للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإن كَانَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْتِعَةِ وَالْأَمْوَالِ فُصِلَتْ فِيهِ، وَكَانَ الدِّيوَانُ مَوْضُوعًا لِإِخْرَاجِ رُسُومِهِ وَلِاسْتِيفَاءِ مَا يُرْفَعُ إلَيْهِ مِنْ مَقَادِيرِ الْأَمْتِعَةِ الْمَحْمُولَةِ إلَيْهِ. فأما أَعْشَارُ الْأَمْوَالِ الْمُنْتَقِلَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَمُحَرَّمَةٌ لَا يُبِيحُهَا شَرْعٌ، وَلَا يُسَوِّغُهَا اجْتِهَادٌ وَلَا هِيَ مِنْ سِيَاسَاتِ العدل، وقلما تكون إلا في البلاد الجائرة، ولذلك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لا يدخل الجنة صاحب مكس " وفي لفظ آخر " إن صاحب المكس في النار " يعني العاشر. وفي لفظ آخر" إذا لقيتم عاشرا فاقتلوه". وروي أبو عبيدة هذه الأخبار في كتاب الأموال. فإذا غَيَّرَتْ الْوُلَاةُ أَحْكَامَ الْبِلَادِ وَمَقَادِيرَ الْحُقُوقِ فِيهَا، اُعْتُبِرَ مَا فَعَلُوهُ. فَإِنْ كَانَ مُسَوِّغًا فِي الِاجْتِهَادِ لِأَمْرٍ اقْتَضَاهُ لَا يَمْنَعُ الشَّرْعُ مِنْهُ، لحدوث سبب سوغ الشرع لأجله الزيادة أو النقصان. جَازَ، وَصَارَ الثَّانِي هُوَ الْحَقَّ الْمُسْتَوْفَى دُونَ الأول. فإذا استخرجت حَالُ الْعَمَلِ مِنْ الدِّيوَانِ، جَازَ أَنْ يُقْتَصَرَ على إخراج الحالة الثانية دون الأولة، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يُخْرِجَ الْحَالَيْنِ، لِجَوَازِ أَنْ يَزُولَ السَّبَبُ الْحَادِثُ، فَيَعُودَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ. وَإِنْ كَانَ ما أحدثه الْوُلَاةُ مِنْ تَغْيِيرِ الْحُقُوقِ غَيْرَ مُسَوَّغٍ فِي الشَّرْعِ، وَلَا لَهُ وَجْهٌ فِي الِاجْتِهَادِ كَانَتْ الحقوق على الحكم الأول، وكان الثاني حيفا مردودا، سواء غيروه إلى الزيادة أَوْ نُقْصَانٍ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ ظُلْمٌ فِي حُقُوقِ الرَّعِيَّةِ، وَالنُّقْصَانَ ظُلْمٌ فِي حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ. فإذا استخرجت حال العمل من الديوان وجب على رافعها مِنْ كُتَّابِ الدَّوَاوِينِ إخْرَاجُ الْحَالَيْنِ، إنْ كَانَ الْمُسْتَدْعِي لِإِخْرَاجِهَا مِنْ الْوُلَاةِ لَا يَعْلَمُ حَالَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِهَا لَمْ يلزم إخراج الحالة الأولة إلَيْهِ، لِأَنَّ عِلْمَهُ بِهَا قَدْ سَبَقَ وَجَازَ الاقتصار على إخراج الحالة الثانية مع وصفها بأنها مستحدثة.

<<  <   >  >>