فأما نفاة القياس فهل يجوز أن يولوا القضاء؟ نظرت، فإن نَفَوْهُ وَاتَّبَعُوا ظَاهِرَ النَّصِّ، وَأَخَذُوا بِأَقَاوِيلِ سَلَفِهِمْ فيما لم يرد فيه نص، واطرحوا الاجتهاد، وعدولوا عن الفكر والاستنباط لم يجز تقليدهم القضاء، لقصورهم عن طرق الأححام. وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية بكر ابن محمد بن الحكم في الإمام والحاكم يرد عليه أمر من أمور المسلمين، فلا بدّ للإمام والحاكم من أن يجمع له الناس، ويقيس ويشبه، لأن هذا عليه وعلى الحاكم، لما كتب عمر إلى شريح " أن قس الأمور". وإن نفى القياس ولكن اجتهد في الأحكام تعلقاً بمضمون الكلام، ومفهوم الخطاب، كأهل الظاهر. احتمل المنع أيضاً للمعنى الذي ذكرنا. وهو ظاهر كلام أحمد، لأنه قال" يقيس ويشبه". ويحتمل الجواز. لأنهم يعتبرون وَاضِحَ الْمَعَانِي، وَإِنْ عَدَلُوا عَنْ خَفِيِّ الْقِيَاسِ. ويجوز لمن يعقد مذهب أحمد أن يقلد القضاء من يعتقد مذهب الشافعي، لأن على القاضي أن يجتهد رأيه فِي قَضَائِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَلِّدَ فِي النوازل والأحكام من اعتزى إلى مذهبه. وَإِذَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِحُكْمٍ وَتَجَدَّدَ مِثْلُهُ مِنْ بعد أعاد الاجتهاد فيه. ونص بِمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ. وَإِنْ خَالَفَ مَا تقدم من حكمه، لأن عمر - رضي الله عنه - قضى في المشتركة بِالتَّشْرِيكِ فِي عَامٍ، وَتَرَكَ التَّشْرِيكَ فِي غَيْرِهِ. فَقِيلَ لَهُ: مَا هَكَذَا حَكَمْتَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي؟ فَقَالَ: تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذِهِ على ما نقضي". فإن كان المولى على مذهب فشرط عَلَى مَنْ وَلَّاهُ الْقَضَاءَ أَنْ لَا يَحْكُمَ إلا بمذهبه. فهذا شرط باطل. وهل تبطل الولاية؟ نظرت. فإن لم يجعله شرطاً فيها، لكن أخرجه مخرج الأمر والنهي، بأن قال له: قد قلدتك القضاء فاحكم بمذهب أحمد على وجه الأمر، ولا تَحْكُمُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى وَجْهِ النَّهْيِ فالولاية صحيحة. والشرط فاسد. وإن أخرجه مَخْرَجَ الشَّرْطِ فِي عَقْدِ الْوِلَايَةِ، فَقَالَ: قَدْ قَلَّدْتُكَ الْقَضَاءَ عَلَى أَنْ لَا تَحْكُمَ فِيهِ بمذهب أحمد، فهذا عقد شرط فيه شرطا فاسداً، فهل يبطل العقد؟ على روايتين بناء على البيع إذا قارنه شرط فاسد.