موجب الحق ومقتضاه، ولا يجوز أن يحكم بينهم بما لا يَحْكُمُ بِهِ الْحُكَّامُ وَالْقُضَاةُ. وَرُبَّمَا اشْتَبَهَ حُكْمُ المظالم على الناظرين فيها. فيجوز في أحكامهم، ويخرجون إلى الحد الذي لا يسوغ منها. [الفرق بين نظر القضاة ونظر ناظر المظالم] وقد ذكر بعض أهل العلم الفرق بَيْنَ نَظَرِ الْمَظَالِمِ وَنَظَرِ الْقُضَاةِ مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ لِنَاظِرِ الْمَظَالِمِ مِنْ فَضْلِ الهيية، وَقُوَّةِ الْيَدِ مَا لَيْسَ لِلْقُضَاةِ فِي كَفِّ الخصوم عن التجاحد، ومنع الظلمة عن التغالب والتجاذب. الثاني: أَنَّ نَظَرَ الْمَظَالِمِ يَخْرُجُ مِنْ ضِيقِ الْوُجُوبِ إلَى سِعَةِ الْجَوَازِ فَيَكُونُ النَّاظِرُ فِيهِ أَفْسَحَ مجالا، وأوسع مقالاً. الثالث: أنه يستعمل في فَضْلِ الْإِرْهَابِ، وَكَشْفِ الْأَسْبَابِ بِالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ، وَشَوَاهِدِ الْأَحْوَالِ اللَّائِحَةِ: مَا يُضَيِّقُ عَلَى الْحُكَّامِ، فَيَصِلُ بِهِ إلَى ظُهُورِ الْحَقِّ، وَمَعْرِفَةِ الْمُبْطِلِ مِنْ المحق. الرابع: أَنْ يُقَابِلَ مَنْ ظَهَرَ ظُلْمُهُ بِالتَّأْدِيبِ، وَيَأْخُذَ من بان عداوته بالتقويم والتهذيب.
الخامس: أَنَّ لَهُ مِنْ التَّأَنِّي فِي تَرْدَادِ الْخُصُومِ عند اشتباه أمورهم، لِيُمْعِنَ فِي الْكَشْفِ عَنْ أَسْبَابِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ -: مَا لَيْسَ لِلْحُكَّامِ إذَا سَأَلَهُمْ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ فَصْلَ الْحُكْمِ، فَلَا يَسُوغُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ الْحَاكِمُ، وَيَسُوغُ أن يؤخره والى المظالم. السادس: أن له رد الخصوم إذا أعضلوا إلى وَسَاطَةَ الْأُمَنَاءِ، لِيَفْصِلُوا التَّنَازُعَ بَيْنَهُمْ صُلْحًا عَنْ تَرَاضٍ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَضِيَ الخصمين بالرد. السابع: أنه يُفْسِحَ فِي مُلَازَمَةِ الْخَصْمَيْنِ إذَا وَضَحَتْ أَمَارَاتُ التَّجَاحُدِ، وَيَأْذَنَ فِي إلْزَامِ الْكَفَالَةِ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ التَّكَفُّلُ، لِيَنْقَادَ الْخُصُومُ إلَى التَّنَاصُفِ، وَيَعْدِلُوا عن التجاحد والتكاذب. الثامن: أَنَّهُ يَسْمَعُ مِنْ شَهَادَاتِ الْمَسْتُورِينَ مَا يَخْرُجُ عن عرف القضاة في شهادة المعدلين. التاسع: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إحْلَافُ الشُّهُودِ عِنْدَ ارْتِيَابِهِ بهم إذا بذلوا أَيْمَانَهُمْ طَوْعًا، وَيَسْتَكْثِرُ مِنْ عَدَدِهِمْ، لِيَزُولَ عَنْهُ الشك وينتفي عنه الارتياب وليس كذلك الحكام. العاشر: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِاسْتِدْعَاءِ الشُّهُودِ، وَيَسْأَلَهُمْ عما عندهم في تنازع الخصوم فهذه الوجه العشرة يقع الفلق بها بين نظر المظالم ونظر القضاة في التشاجر والتنازع، وسنوضح من تفصيلها ما يبين بِهِ إطْلَاقَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْفُرُوقِ.