ويجوز أن يأخذ هذا، لإمام ومؤذنوه رِزْقًا عَلَى الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، من سهم المصالح، لأن هذا ليس بأجرة على الصلاة والأذان، وإنما هو حق ثابت في بيت المال. وقد ذكر أبو عبد الله بن بطة في كتاب تعظيم حرمة الصلاة، قال: وقد كان على بن عيسى الوزير نصب للجوامع - مثل جامع الرمالة وغيره - أصحاب ابن مجاهد، في كل يوم رجلا يصلي بالناس الخمس الصلوات، وجعل لهم الأرزاق. قال أبو جعفر: وقد كان أبو بكر الخلال في مجلس في جامع الرصافة، وكان يصلي الجمعة والعصر خلف هؤلاء الذين يأخذون الأجرة، ثم خلفه بعده غلامه عبد العزيز، وأبو القاسم الخرقي. وقد ذكر أبو بكر الخلال في كتاب الإمامة " باب ذكر الصلاة خلف من يأخذ أجرا على الصلاة.
وروي عن أحمد في رواية المروزي، وصالح، وأبي الحارث، ومهنا، وإسحاق بن إبراهيم " لايصلي خلفه" وذكر بعد أبواب أخر، فقال "باب الصلاة خلف من يأخذ الأجرة من السلطان على الإمامة في المساجد، وروي عن أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه وقد سأله عن الرجل يصلي في مسجد الجامع غير صلاة الجمعة والإمام يعطي أجر الإمامة والأذان - أحب إليك، أم يصلي في مساج القبائل؟ - فقال: مازلنا نصلي ف المسجد الجامع خلف هؤلاء الذين يعطوا أجرا". وإنما أراد بالأجر ههنا: الرزق، لأن السلطان يعطي رزقا. وأما المساجد العامية، الَّتِي يَبْنِيهَا أَهْلُ الشَّوَارِعِ وَالْقَبَائِلِ فِي شَوَارِعِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ، فَلَا اعْتِرَاضَ لِلسُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ فِي أَئِمَّةِ مَسَاجِدِهِمْ، وَتَكُونُ الْإِمَامَةُ فِيهَا لِمَنْ اتَّفَقُوا عَلَى الرِّضَا بِإِمَامَتِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ بَعْدَ الرِّضَا بِهِ أَنْ يَصْرِفُوهُ عَنْ الْإِمَامَةِ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ حاله، وليس له بعد رضاهم به أن يستخلف مكانه نائبا عنه، ويكون أهل المسجد أحق بِالِاخْتِيَارِ. وَإِذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فِي اخْتِيَارِ إمام أو مؤذن، قرع بين المختلف فيهما، نص عليه في رواية أبي داود: في رجلين تشاحا في الأذان، وقالا: يجمع أهل المسجد، فينظر من يختارون. فقال أحمد " لا، ولكن يقترعا، على ما فعل سعد".