للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهِمْ تِلْكَ الأهواءُ كَمَا يَتَجَارَى الكَلَبُ (١) بِصَاحِبِهِ، لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرق وَلَا مِفصل إِلَّا دخله)) (٢) .

وفي رواية عن أَبِي غَالِبٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ: ((إنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمةً تَزِيدُ عَلَيْهِمْ فِرقة، كُلُّهَا فِي النَّارِ إلا السواد الأعظم)) (٣) ؛ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، تصدَّى النظرُ فِي الْحَدِيثِ فِي مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

فِي حَقِيقَةِ هَذَا الِافْتِرَاقِ

وَهُوَ يُحتمل أَنْ يَكُونَ افْتِرَاقًا عَلَى مَا يُعْطِيهِ مُقْتَضَى اللَّفظ، ويُحتمل أَنْ يَكُونَ مَعَ زِيَادَةِ قَيْدٍ لَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ بِإِطْلَاقِهِ وَلَكِنْ يَحتمله، كَمَا كَانَ لَفْظُ الرَّقبة بِمُطْلَقِهَا لَا يُشْعِرُ بِكَوْنِهَا مُؤْمِنَةً أَوْ غَيْرَ مُؤْمِنَةٍ، لَكِنَّ اللَّفْظَ يَقْبَلُهُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ مُطْلَقُ الِافْتِرَاقِ، بِحَيْثُ يُطْلَقُ صُوَرُ لَفْظِ الِاخْتِلَافِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، لأنَّه يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَلِفُونَ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ دَاخِلِينَ تَحْتَ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ، وَذَلِكَ باطلٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ الْخِلَافَ مِنْ زَمَانِ الصَّحَابَةِ إِلَى الْآنَ وَاقِعٌ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، وأوَّل مَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي زَمَانِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، ثُمَّ فِي سَائِرِ الصَّحَابَةِ، ثم في التَّابِعِينَ وَلَمْ يُعِبْ أحدٌ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَبِالصَّحَابَةِ اقْتَدَى مَنْ بَعْدَهُمْ فِي تَوْسِيعِ الْخِلَافِ، فَكَيْفَ يمكن أَنْ يَكُونَ الِافْتِرَاقُ فِي الْمَذَاهِبِ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الحديث؟ وإنَّما يراد افتراقٌ مقيدَّ.


(١) الكَلَبُ: داءٌ معروف يعرض للكلْب فمن عضَّه قتله.
(٢) [حسن] وهو جزء من الحديث الذي قبله، وانظر (ص٣٦) .
(٣) [حسن] رواه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (٦٨) ، واللالكائي في ((شرح أصول الاعتقاد)) (١٥١، ١٥٢) ، والمروزي في ((السنة)) (٥٥، ٥٦) .