والكتاب فيه من الإطالة والاستطرادات ما يَشْرُدُ به ذهْنُ القاريء ويتشتت، فقد أكثر المؤلِّفُ فيه من الاستشهاد بالآيات والأحاديث والآثار الصحيح منها والضعيف أحياناً والأقوال والقصص والأخبار والأمثلة والتفريعات ما يجعل اختصاره أمراً مُهمَّاً مُلِحَّاً، وقد ترددتُ كثيراً في ذلك لما لِفَنِّ الاختصار والتهذيب من صعوبة وتبعيَّة وخطورة، ولكن لما نظرت إلى الكتاب وما فيه مما سبق ذكره ونظرت إلى ضعف الهمم وكثرة الشواغل لدى كثيرٍ منَّا -ولا حول ولا قوة إلا بالله- رأيتُ أنَّه يتحتم عليَّ وقد كنت قرأت الكتاب أكثر من مرة أنْ أُلَخِّصَه وأهذِّبه دون أنْ أخلَّ بشيء من معانيه.
وقد قال بعضهم:((إنَّ التأليف على سبعةِ أقسام، لا يؤلِّف عالمٌ عاقلٌ إلا فيها -وذكر منها-: ٠٠٠ أو شيءٌ طويل يختصره دون أنْ يخلَّ بشيء من معانيه)) (١) ، فاستخرتُ الله واستعنتُ به على عمل هذا المختصر وظللت فترة وأنا أقرأ منه، أحذف هذا تارةً وأعيد ذلك تارةً وأربط بين جملة أو جمل في صفحة مع جمل أخرى تبعد عنها عدة صفحات، فأختار آية أو آيتين من عشرة أو أكثر تؤدي الغرض الذي من أجله ساقها المُصنِّف، وكذلك أفعل بالأحاديث والآثار حاذفاً منها كلَّ ما لم يصح سنده، مختاراً بعض ما صح مما يؤدِّي الغرض، وكذا في الأمثلة والأقوال.
ولا أدع فكرة أو مقصداً للمصنف إلا وأوردها مسترشداً بقول ابن خلدون في ((المقدمة)) : ((إنَّ النَّاس حصروا مقاصد التأليف التي ينبغي