فصل
[الفرق بين البدعة والمعصية]
وَبَقِيَ مِمَّا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى ذِكْرِهِ فِي هذا الموضع، وَهُوَ أنَّ الْبِدَعَ ضَلَالَةٌ، وأنَّ الْمُبْتَدِعَ ضَالٌّ ومضل، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَعَاصِي، فإنَّها لَمْ تُوصَفُ فِي الْغَالِبِ بِوَصْفِ الضَّلَالَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ بِدْعَةً أَوْ شِبْهَ الْبِدْعَةِ. وَكَذَلِكَ الخطأُ الْوَاقِعُ فِي الْمَشْرُوعَاتِ ـ وَهُوَ المعفوُّ عَنْهُ ـ لَا يُسَمَّى ضَلَالًا، ولا يُطْلق على المخطيء اسْمُ ضَالٍّ، كَمَا لَا يُطْلَقُ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لسائر المعاصي.
وَذَلِكَ أنَّ الضَّلَالَ وَالضَّلَالَةَ ضِدُّ الهَدْي والهُدَى، فصاحب البدعة لما غلب عليه الْهَوَى مَعَ الْجَهْلِ بِطَرِيقِ السُّنَّة توهَّمَ أنَّ مَا ظَهَرَ لَهُ بِعَقْلِهِ هُوَ الطَّرِيقُ الْقَوِيمُ دُونَ غَيْرِهِ، فَمَضَى عَلَيْهِ فَحَادَ بِسَبَبِهِ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، فَهُوَ ضالٌ مِنْ حَيْثُ ظَنَّ أنه راكب للجادة.
فَالْمُبْتَدِعُ مِنْ هَذِهِ الأُمة إنَّما ضلَّ فِي أَدِلَّتِهَا حَيْثُ أَخَذَهَا مأْخذ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ لَا مأْخذ الِانْقِيَادِ تَحْتَ أَحْكَامِ اللَّهِ. وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُبْتَدِعِ وَغَيْرِهِ، لأنَّ الْمُبْتَدِعَ جَعَلَ الهوى أوَّل مطالبه، وأخذ الأدلة بالتَّبَعِ، فَإِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ الْجَهْلُ بأُصول الشَّرِيعَةِ وَعَدَمُ الِاضْطِلَاعِ بِمَقَاصِدِهَا، كَانَ الْأَمْرُ أَشَدَّ وَأَقْرَبَ إلى التحريف والخروج عن مقاصد الشرع.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أنَّك لَا تَجِدُ مُبْتَدِعًا مِمَّنْ يُنسب إِلَى الْمِلَّةِ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَشْهِدُ عَلَى بِدْعَتِهِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَيُنْزِلُهُ عَلَى مَا وافق عقله وشهوته، بخلاف
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute