للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِأَنْفُسِهِمْ بِأَدِلَّةٍ فَاسِدَةٍ وَبِأَدِلَّةٍ صَحِيحَةٍ اقْتِصَارًا بِالنَّظَرِ عَلَى دَلِيلٍ مَا، واطِّراحاً لِلنَّظَرِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الأُصولية وَالْفُرُوعِيَّةِ الْعَاضِدَةِ لِنَظَرِهِ أَوِ الْمُعَارَضَةِ لَهُ.

وكثيرٌ مِمَّنْ يدَّعي الْعِلْمَ يَتَّخِذُ هَذَا الطَّرِيقَ مَسْلَكًا، وَرُبَّمَا أَفْتَى بِمُقْتَضَاهُ وَعَمِلَ عَلَى وَفْقِهِ إِذَا كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ شأْن الرَّاسِخِينَ، وإنَّما هُوَ مِنْ شَأْنِ مَنِ اسْتَعْجَلَ طَلَبًا لِلْمَخْرَجِ فِي دَعْوَاهُ.

فَقَدْ حَصَلَ مِنَ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ أنَّ الزيغَ لَا يَجْرِي عَلَى طَرِيقِ الرَّاسِخِ بِغَيْرِ حُكْمِ الِاتِّفَاقِ، وأنْ الرَّاسِخَ لَا زَيْغَ مَعَهُ بالقصد ألبتَّة.

فصل

[بيان طرق أهل الزَّيغ]

إِذَا تَبَيَّنَ أنَّ لِلرَّاسِخِينَ طَرِيقًا يَسْلُكُونَهَا فِي اتباع الحق، وأنَّ الزائغين على طريق غير طريقهم، احتجنا إِلَى بَيَانِ الطَّرِيقِ الَّتِي سَلَكَهَا هَؤُلَاءِ لِنَتَجَنَّبَها، فنظرنا في آية تَتَعَلَّقُ بِهِمْ كَمَا تَتَعَلَّقُ بِالرَّاسِخِينَ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وأَنَّ هذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (١) فَأَفَادَتِ الْآيَةُ أنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ وَاحِدَةٌ، وأنَّ لِلْبَاطِلِ طُرُقاً متعددة لا واحدة، وتعددها لم يُخَصُّ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ وَهَكَذَا الْحَدِيثُ المفسِّر لِلْآيَةِ وَهُوَ قول ابن مسعود رضي الله عنه: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطًا فَقَالَ: ((هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيمًا)) ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال: ((هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يدعو إليه)) ثم تلا هذه الآية (٢) .


(١) الأنعام: ١٥٣.
(٢) [صحيح] تقدم تخريجه ص٢١.