للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحَدُهُمَا: مِنْ حَيْثُ هِيَ مَشْرُوعَةٌ فَلَا كَلَامَ فِيهَا.

وَالثَّانِي: مِنْ حَيْثُ صَارَتْ كَالسَّبَبِ الْمَوْضُوعِ لِاعْتِقَادِ الْبِدْعَةِ أَوْ لِلْعَمَلِ بِهَا عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ، فَهِيَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ، وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهَا بِدْعَةً إِضَافِيَّةً، أمَّا إِذَا اسْتَقَرَّ السَّبَبُ وَظَهَرَ عَنْهُ مُسَبِّبُهُ الَّذِي هُوَ اعْتِقَادُ الْعَمَلِ سُنَّة، وَالْعَمَلُ عَلَى وِفقه، فَذَلِكَ بدعة حقيقية لا إضافية، وَإِذَا ثَبَتَ فِي الأُمور الْمَشْرُوعَةِ أَنَّهَا قَدْ تُعد بِدَعاً بِالْإِضَافَةِ، فَمَا ظَنُّكَ بِالْبِدَعِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ فإنَّها قَدْ تَجْتَمِعُ فِيهَا أنْ تَكُونَ حَقِيقِيَّةً وإضافية معاً ثم إذا اعتقد فيها السُّنِّيَّةَ أَوِ الْفَرْضِيَّةَ صَارَتْ بِدْعَةً مِنْ ثَلَاثَةِ أوجه.

فَيَا لَلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ! مَاذَا يَجْنِي الْمُبْتَدِعُ عَلَى نَفْسِهِ مِمَّا لَا يَكُونُ فِي حِسَابِهِ؟ وقانا الله شرور أنفسنا بفضله.

فصل

[سكوت الشارع عن الحكم في مسألة ما]

إنَّ سُكُوتَ الشَّارِعِ عَنِ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةٍ ما أَوْ تَرْكِهِ لِأَمْرٍ مَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) : أنْ يَسْكُتَ عَنْهُ أَوْ يَتْرُكَهُ لِأَنَّهُ لَا دَاعِيَةَ لَهُ تَقْتَضِيهِ، وَلَا مُوجِبَ يُقَرَّرُ لِأَجْلِهِ، وَلَا وَقَعَ سَبَبُ تَقْرِيرِهِ، كَالنَّوَازِلِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإنَّها لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً ثُمَّ سَكَتَ عَنْهَا مَعَ وُجُودِهَا، وإنَّما حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَاحْتَاجَ أَهْلُ الشَّرِيعَةِ إِلَى النَّظَرِ فِيهَا وَإِجْرَائِهَا عَلَى مَا تبيَّن فِي الْكُلِّيَّاتِ الَّتِي كَمُلَ بِهَا الدِّينُ، وَإِلَى هَذَا الضَّرْبِ يَرْجِعُ جَمِيعُ مَا نَظَرَ فِيهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِمَّا لَمْ يسنُّه رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُصُوصِ مما هو معقول المعنى، كتضمين الصنَّاع (١) ، والجَد مع الإخوة، ومنه جمع المصحف، ثم تدوين


(١) التضمين من الضمان؛ وهو: ((التزام بتعويض عن ضرر للغير)) ، والصُّنَّاع: الأُجَراء، كالخياط يُعطى القماش ليصنعه ثوباً.