عَمَلَ بِبِدْعَةٍ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ أَنَّهُ عَمِلَ بِسُنَّةٍ، فَصَارَ مِنْ جِهَةِ هَذَا التَّرَدُّدِ غَيْرَ عَامِلٍ بِبِدْعَةٍ حَقِيقِيَّةٍ، وَلَا يُقَالُ أَيْضًا: إنَّه خَارِجٌ عَنِ الْعَمَلِ بِهَا جُمْلَةً.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أنَّ النهيَّ الْوَارِدَ فِي الْمُشْتَبِهَاتِ إنَّما هُوَ حِمَايَةٌ أنْ يَقَعَ فِي ذَلِكَ الْمَمْنُوعِ الْوَاقِعِ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ، فَإِذَا اخْتَلَطَتِ الْمَيْتَةُ بِالذَّكِيَّةِ نَهَيْنَاهُ عَنِ الْإِقْدَامِ، فَإِنْ أَقْدَمَ أَمْكَنَ عِنْدَنَا أنْ يَكُونَ آكِلًا لِلْمَيْتَةِ فِي الِاشْتِبَاهِ؛ فَالنَّهْيُ الأَخف إِذًا مُنْصَرِفٌ نَحْوَ الْمَيْتَةِ فِي الِاشْتِبَاهِ، كَمَا انْصَرَفَ إِلَيْهَا النَّهْيُ الْأَشَدُّ فِي التَّحَقُّقِ.
وَكَذَلِكَ اخْتِلَاطُ الرَّضِيعَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ: النَّهْيُ فِي الِاشْتِبَاهِ مُنْصَرِفٌ إِلَى الرَّضِيعَةِ كَمَا انْصَرَفَ إِلَيْهَا فِي التَّحَقُّقِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمُشْتَبِهَاتِ إنَّما يَنْصَرِفُ نَهْيُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْمُشْتَبَهِ إِلَى خُصُوصِ الْمَمْنُوعِ الْمُشْتَبَهِ، فَإِذًا الْفِعْلُ الدَّائِرُ بَيْنَ كَوْنِهِ سُنَّةً أَوْ بِدْعَةً إِذَا نُهي عَنْهُ فِي بَابِ الِاشْتِبَاهِ نُهي عَنِ الْبِدْعَةِ فِي الْجُمْلَةِ؛ فَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى مَنْهِيٍّ عَنْهُ فِي بَابِ الْبِدْعَةِ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ أنْ يَكُونَ بِدْعَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَصَارَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَالْعَامِلِ بِالْبِدْعَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَقَدْ مرَّ أنَّ الْبِدْعَةَ الْإِضَافِيَّةَ هِيَ الْوَاقِعَةُ ذَاتُ وَجْهَيْنِ - فَلِذَلِكَ قِيلَ: إنَّ هَذَا الْقِسْمَ مِنْ قَبِيلِ الْبِدَعِ الْإِضَافِيَّةِ، وَلِهَذَا النَّوْعِ أمثلة:
(أحدها) : إِذَا تَعَارَضَتِ الْأَدِلَّةُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِي أنَّ الْعَمَلَ الْفُلَانِيَّ مَشْرُوعٌ يُتعبد بِهِ، أَوْ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يُتَعَبَّدُ بِهِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ جَمْعٌ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، أَوْ إِسْقَاطُ أَحَدِهِمَا بِنَسْخٍ أو ترجيح أو غيرهما، فَالصَّوَابُ الْوُقُوفُ عَنِ الْحُكْمِ رَأْسًا، وَهُوَ الْفَرْضُ في حقه.
(الثاني) : إِذَا تَعَارَضَتِ الْأَقْوَالُ عَلَى الْمُقَلِّدِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا؛ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَكُونُ الْعَمَلُ بِدْعَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِبِدْعَةٍ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْأَرْجَحُ مِنَ العالِمَين بأعْلَمِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ فحقُّه الْوُقُوفُ وَالسُّؤَالُ عَنْهُمَا حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute