للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَيْهَا الْمَكْرُوهُ مِنَ الْبِدَعِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلاَّ الضَّلاَلُ} (١) فَلَيْسَ إلا حق، وهو الهدى، والضلال وَهُوَ الْبَاطِلُ فَالْبِدَعُ الْمَكْرُوهَةُ ضَلَالٌ.

وأمَّا ثَانِيًا: فإنَّ إِثْبَاتَ قَسْمِ الْكَرَاهَةِ فِي الْبِدَعِ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِمَّا يُنظر فِيهِ، فَلَا يَغْتَرُّ الْمُغْتَرُّ بِإِطْلَاقِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ لَفْظُ الْمَكْرُوهِ عَلَى بَعْضِ الْبِدَعِ وإنَّما حَقِيقَةُ الْمَسْأَلَةِ أنَّ الْبِدَعَ لَيْسَتْ عَلَى رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الذَّمِّ - كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ - وأمَّا تَعْيِينُ الْكَرَاهَةِ الَّتِي مَعْنَاهَا نَفْيُ إِثْمِ فَاعِلِهَا وَارْتِفَاعُ الْحَرَجِ ألبتَّة، فَهَذَا مِمَّا لَا يَكَادُ يُوجَدُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مِنَ الشرع.

وأمَّا كَلَامُ الْعُلَمَاءِ فإنَّهم وَإِنْ أَطْلَقُوا الْكَرَاهِيَةَ فِي الأُمور الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لَا يَعْنُونَ بِهَا كَرَاهِيَةَ التَّنْزِيهِ فَقَطْ، وإنَّما هَذَا اصْطِلَاحٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ حين أرادوا أنْ يفرقوا بين القَبِيلَيْن، فَيُطْلِقُونَ لَفْظَ الْكَرَاهِيَةِ عَلَى كَرَاهِيَةِ التَّنْزِيهِ فَقَطْ، وَيَخُصُّونَ كَرَاهِيَةَ التَّحْرِيمِ بِلَفْظِ التَّحْرِيمِ وَالْمَنْعِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.

وأمَّا المُتَقَدِّمون مِنَ السَّلَفِ فإنَّهم لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِمْ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ صَرِيحًا أنْ يَقُولُوا: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ، وَيَتَحَامَوْنَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ خَوْفًا مِمَّا فِي الْآيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُم الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} (٢) ، وَحَكَى مَالِكٌ عَمَّنْ تَقَدَّمَهُ هَذَا الْمَعْنَى، فَإِذَا وُجِدَتْ فِي كَلَامِهِمْ فِي الْبِدْعَةِ أَوْ غَيْرِهَا ((أَكْرَهُ هَذَا، وَلَا أُحِبُّ هَذَا، وَهَذَا مَكْرُوهٌ)) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا تقطعَنَّ عَلَى أنَّهم يُرِيدُونَ التَّنْزِيهَ فَقَطْ، فإنَّه إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ فِي جَمِيعِ الْبِدَعِ عَلَى أنَّها ضَلَالَةٌ فَمِنْ أَيْنَ يُعَدُّ فِيهَا مَا هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهِيَةَ التَّنْزِيهِ؟ اللَّهُمَّ إِلَّا أنْ يُطْلِقُوا لفظ الكراهية على ما يكون


(١) يونس: ٣٢.
(٢) النحل: ١١٦.