للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: ما جرت عليه العادة وما عرف من غالب أحوال الناس أنهم يتصرفون في أملاكهم، فإذا حاز الإنسان شيئا وتصرف فيه، فالغالب أنه يتصرف في ملكه ما لم يقم دليل على عكس ذلك.

وبناء على ذلك فإنّ أقلّ أحوال ثبوت هذه اليد عند الفقهاء أنها تفيد الملك كما يدل عليه ظاهر الحيازة، وعليه فإنه يجب حماية هذه الحيازة وذلك بعدم انتقال الملكية من الحائز إلا بناقل أرجح من هذه القرينة الظاهرة، أي قرينة الحيازة، والناقل الأرجح عند الدعوى هو إما الإقرار أو البيّنة أو قرائن أخرى تكون دلالتها أقوى من دلالة الحيازة وأظهر في حجيتها من دلالة الظاهر.

هذا المعنى في الحيازة متفق عليه بين الفقهاء. ومن أهم مميزات هذه القرينة أنها وضعت حلاً للمشكلات التي تبدو في سبيل تمييز المدّعي من المدّعى عليه، مستفيدين بذلك من دلالة الظاهر التي تفيد أنّ الحائز يتصرّف في ملكه، وعلى مدّعي الملكية في مواجهة الحائز إثبات دعواه١.

ب ـ قرينة الاستعمال وقرينة الصلاحية:

قلنا إنّ الفقهاء اتفقوا على أن الحيازة قرينة على الملكية لما تدل عليه شواهد الأحوال، غير أنّ الحيازة وحدها قد لا تضع حداً لكثير من المنازعات، وخاصة إذا كان الشيء المتنازع عليه في أيدي المتداعيين يستعملانه أو يتجاذبانه بحيث تكون يد كل واحد منهما عليه، لم يقف الفقهاء عند ذلك مكتوفي الأيدي إنما رجعوا للقرائن المرجحة، والقرائن المرجحة هي:

١ـ قرينة الاستعمال:

وفكرة هذه القرينة تقوم على أساس أنّ اليد دليل الملك كما قدمنا، فإذا تداعا اثنان في الشيء وكان في يد أحدهما، قدّم من كان في يده إذا لم يقدِّم المدَّعي بينة استحقاقه للشيء المتنازع فيه، فيترك لمن كان في يده، أما إذا تداعيا الشيء وكان في أيديهما، يقوم من كان استعماله للمال المحاز أظهر، ذلك أنَّ الحيازة تقوم على أساس استعمال المال والتصرّف فيه، إذ لا معنى لحيازة الشيء دون تصرف فيه، فالأموال جعلت للاستفادة منها. ومن ثم قالوا:


١ يراجع في فقه المذاهب الأربعة والظاهرية مايلي: بدائع الصنائع للكاساني ٦/٢٦٧. المبسوط للسرخسي ١٨/ ٣٤. قوانين الأحكام الفقهية لابن جزي المالكي ص ٣٢٢، البهجة شرح التحفة للتسولي المالكي ٢/ ٢٥٤، مختصر المزني بهامش الأم للشافعي ٥/ ١٦١، شرح زكريا الأنصاري على متن البهجة لابن الوردي ٥٢٣٥, المغني لابن قدامة ١٠/ ٢٣٠, المحلى لابن حزم ٩/ ٥٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>