للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكنت لها حصنا وكهفا وجنة ... يؤول إلى كهلها ووليدها

فمالوا إلى السوءات ثم تعذروا ... وهل يفعل السوءات إلامريدها

فأوردت كرمانيها الموت عنوة ... كذاك منايا الناس يدنو بعيدها١

فتأزم الوضع بعد هلاك الكرماني تأزما شديدا، وحين رأى العرب أن أبا مسلم هو الذي استفاد من انقسامهم واقتتالهم، تعاقدت عامة قبائلهم على المسالمة. ليشتغلوا بمجاهدة أبي مسلم. فتحللت ربيعة من حلفها مع الأزد، ومالت إلى نصر ومضر، تأمينا في أغلب الظن لمنفعتها وتمكينا لمصيرها. وراح يحيى بن نعيم بن هبيرة البكري يتوسط بين شيبان بن سلمة الحروري، حليف الكرماني، وبين نصر، ووفق في وساطته، فقد تهادنا، كما سالم علي بن جديع الكرماني نصرا. غير أن أبا مسلم نجح في تحريض ابن الكرماني على نصر، بتذكيره بقتل نصر لأبيه، وتعييره بمسالمته له، وسكوته عن المطالبة بثأره منه، فعاد إلى مقاتلة نصر٢، فتزلزت قوته، فانهزم إلى نيسابور، سنة ثلاثين ومائة، وخلصت مرو الشاهجان لأبي مسلم.

ويقال إن نصرا بعث قبل وفاته بمدينة ساوه بين الري وهمذان بكتاب إلى مروان بن محمد، ضمنه أبياتا من شعره أنبأه فيها بخروجه عن خراسان، بعد أن بذل كل ما استطاع للسيطرة على الأمر، وضبطه وإحكامه، وأخبره أيضا بقيام الدولة العباسية: وبخطرها الذي أصبح ينذر بسقوطه وزواله بين يوم وآخر. وفيها يقول له٣:

إنا وما نكتم من أمرنا ... كالثور إذ قرب للناخع٤

أو كالتي يحسبها أهلها ... عذراء بكرا وهي في التاسع


١ يبدو أن نصرا كان ينظم بعض مقطوعاته بعد الأحداث التي يتكلم فيها عليها، كهذه المقطوعة فإنه يشير فيها إلى قتله للكرماني، وإلى تحول ربيعة عن الأزد، مع أن ربيعة إنما انحازت إليه بعد مقتل الكرماني. ومثل هذه المقطوعة مقطوعة ثانية سبق أن استشهدنا بها على واقعة البروقان التي حدثت سنة ست ومائة، فإنه ذكر فيها إيقاعه بربيعة، كا ذكر فيها أيضا حبس يوسف بن عمر الثقفي لخالد بن عبد الله القسري، سنة عشرين ومائة.
٢ الطبري ٩: ١٩٧٥.
٣ الدينوري ص: ٣٦٠، ومروج الذهب ٣: ٢٥٨.
٤ الناخع: من نخع الشاة أو الثور إذا ذبحه حتى بلغ القطع إلى النخاع.

<<  <   >  >>