وفي الشعر الذي أنشأه الشعراء العرب بخراسان في أيام بني أمية أربعة فنون قديمة لم نتحدث عنها حتى الآن، وهي المديح، والهجاء، والفخر، والرثاء. ويلاحظ أن المقطوعات والقصائد التي أفردها الشعراء لكل فن منها قليلة، كما أن كل الأشعار التي خصصوها لها لا تعدل نصف الأشعار التي نظموها في الحديث عن الأحوال الداخلية، والغزوات الخارجية.
أ- المديح:
أما المديح فهم يحتذون فيه على المثال الجاهلي، إذ يرددون فيه المعاني التي رددها الشعراء الجاهليون في مدائحهم، ويخلعون على ممدوحيهم الصفات التي خلعها الجاهليون على سادتهم وأشرافهم. فهم يشيدون بأصل الممدوح العريق، وكرمه الغمر، وشجاعته في الحروب، وسماحته وحلمه. ولكنهم يضيفون إلى هذه المعاني التقليدية معاني جديدة مستمدة من الحياة الإسلامية وقيمها، إذ يضفون على ممدوحيهم صفات التقوى والعدل والصلاح، والتفاني في سبيل نشر الدين، والفتك بالأعداء المشركين، وطبيعي أن هذه المعاني الجاهلية والإسلامية لا تجتمع في كل مدحة، فقد يلح الشاعر في مدحته على المعاني الجاهلية، وقد يركز على المعاني الإسلامية، وقد يراوح بينهما جميعا، خضوعا لحالته النفسية، وثقافته الشخصية، التي كانت تقوم في أصلها على عنصر الثقافة الجاهلية، وعنصر الثقافة الإسلامية.