منجزات الولاة الأزديين واليمنيين، وبين منجزات الولاة القيسيين، وأرادا به كذلك مباهاة القبائل القيسية ومضاهاتها، ووجدنا الشاعر الأول يفخم فتوحات قتيبة بين مسلم، ثم يتخلى عن تفخيمه لها، ويرى أنه زلة وقع فيها، أما الشاعر الثاني فوقف منها ذاهلا ضائقا حاسدا. حتى إنه لم يقل شيئا في الثناء عليها، بل سعى لتشويهها، والتشنيع على صاحبها. وبالمثل تنصل نهار بن توسعة البكري حليف الأزد من إشادته بها. ولا بد أن نسجل على شعراء هذا الحلف أنهم هولوا الخسائر والأضرار التي لحقت بالعرب في معركة الشعب، وشكوا الجنيد بن عبد الرحمن المري إلى خالد بن عبد الله القسري، والي العراق، وشككوا في كفاءته ومقدرته، مع أنه ظهر في النهاية على خاقان، وانتصر عليه انتصارا عزيزا. وكأنما كان ابن عرس العبدي، والشرعبي الطائي يبتغيان من التهويل والتشكك الطعن في الجنيد، وحمل خالد القسري على نصح هشام بن عبد الملك بإعفائه من ولاية خراسان.
وصحيح أننا رأينا عند شعراء قيس وتميم شيئا من العصبية في إشادتهم بانتصارات قتيبة بن مسلم، وخاصة عند سحبان وائل، وسوادة بن عبد الله السلولي القيسيين، غير أنهم لم يبالغا فيها، ولم يكاثرا اليمنية والربعية لها. وأكثر من ذلك فقد لاحظنا في تمجيد المغيرة بن حبناء التميمي لفتوحات قتيبة وانتصاراته أبعادا قومية إسلامية، فقد اعتد قضاءه على نيزك طخارستان تمكينا للعرب، ودفاعا عن المسلمين.
ونادرا ما كان شعراء الحلفين المتنافسين يفيئون إلى الرشد والصواب. ويرتفعون إلى مستوى التفكير في المصلحة العامة، ولا يخضعون لعصبيتهم لقبائلهم، وهم يقدرون النتائج المهمة الناجمة عن غزوات الولاة الناجحة وآثارها في المحافظة على سيادة أمتهم. بل إنهم كانوا إذا اهتدوا إلى هذه الأفكار ولمعت بخواطرهم وخيالاتهم، يستشرفونها من خلال انفعالاتهم العاطفية بالمعارك الحربية الموفقة التي كانت ترضي في نفوسهم نزعات الحرب والفروسية، كما مر بنا عند ثابت قطنة الأزدي، حين مدح سعيدا الحرشي لبطشه بالصغد، أو من خلال مصالح قبائلهم وحلفائهم، كما مر بنا عند ابن السجف المجاشعي التميمي، وأبي الهندي التميمي، حين مدحا أسدا القسري، ونوها بصده لخاقان وللحارث بن سريج.