لم يترك الشعراء العرب حادثة صغيرة ولا كبيرة وقعت بخراسان إلا ألموا بها، وبينوا مواقف قبائلهم منها، فقد كانوا يقظين على الأحداث الداخلية وتطوراتها، بصيرين بخفايا السياسة الأموية ونتائجها، مقدرين لانعكاساتها على قبائلهم وحلفائهم، عارفين بتأثيراتها في مقدرتهم الذاتية، إزاء القوى الخارجية التركية التي كانت تتحين الفرص للانقضاض عليهم، والفتك بهم، بحيث لا نبالغ إذا قلنا: إنهم عرضوا لكل المسائل الإدارية والسياسية، والمشكلات العصبية والقبلية، والفتن الداخلية، بكل تفاصيلها ودقائقها، سواء كانوا من أنصار الوحدة والتضامن، أو من دعاة الفرقة والتطاحن. ونحن نورد كل ما ظفرنا به من أشعارهم في هذا الجانب، مرتبا على السنوات لا مبوبا في موضوعات، حتى يتسق مع القضايا التي أحطنا بها في الفصل السابق، ويكون موضحا لها.
ولما كان الوجود العربي بخراسان لم يتأكد ولم يتوطد إلا بعد أن انتهى النزاع بين علي ومعاوية على الحكم، وصفا الجو لمعاوية، وفاز بالخلافة، وسير ولاته على الأمصار، وازداد عدد العرب من القبائل المختلفة بخراسان، ونظموا تنظيما سياسيا وعسكريا، وأصبح لكل منهم دوره الإداري والحربي، كما أصبح لكل منهم أطماعه في السلطة والنفوذ، فقد خلت الفترة الأولى من أي شعر فيه إشارة إلى الأوضاع الداخلية التي لم تكن صورتها قد استقرت، ولم تكن اتجاهاتها قد تحددت. أما بعد ذلك فيكثر الشعر، ويحمل في تضاعيفه كل ما دار من أحداث.