أهم ما يميز شعر الشعراء العرب بخراسان أنهم لم يصوغوه في مطولات، بل في مقطوعات، ومرد ذلك إلى أنهم لم ينظموا أكثره لا في الأغراض المألوفة التي تفرض عليهم أن يسهبوا في قصائده، ويحتفظوا فيها بالأجزاء التقليدية، ولا في الأجواء الهادئة التي تتيح لهم مد قصائده وتطويلها، وتنقيحها وتهذيبها وإنما نظموه في موضوعات جديدة، نابعة من طبيعة حياتهم السياسية والعسكرية، وفي ظروف عاجلة طارئة. فشعرهم هو مجموعة "إعلانات سياسية" عن مواقف قبائلهم من الأحداث الداخلية المفاجئة، و"بلاغات عسكرية" عن نتائج الوقائع الحربية التي خاضوها، داخل خراسان وخارجها. وطبيعي أن الشاعر المرتبط بقبيلته، الفاني في كيانها، الناطق الرسمي بلسانها، لا يستطيع أن يتريث طويلا في الأحداث الكبيرة السريعة لكي يصدر بيانا عن رأي قبيلته فيها، ويتوفر على صياغته ومراجعته وتدقيقه، حتى يخرج خلقا فنيا كاملا مفصلا، لأنه إن فعل ذلك، فإن الأحداث تكون قد سبقته، وحينئذ لا يكون لبيانه أهمية ولا قيمة فهو يجري مع الأحداث ويسابقها، ليذيع قرارات قبيلته فيها في الأوقات المناسبة لها. وأيضا فإن الشاعر المقاتل الذي يشهد المعركة ويخرج منها، لا يصبر كثيرا حتى يعبر عن دوره، ودور قبيلته فيها، وإنما يتعجل القول لينشر بلاغه العسكري في الظرف الملائم، كذلك كان أكثر الشعراء، وهكذا كانت أكثر أشعارهم.
وما دام شعرهم قد أخذ شكل المقطوعات، فإن ذلك أفضى بهم إلى أن يسقطوا منه معظم التقاليد الفنية التي تلقانا في القصائد الطويلة. فهم لم يفتتحوا