للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أبى الموت إلا فجع كل بني أب ... سيمسون شتى غير مجتمعي الشمل

سبيل حبيبي اللذين تربصا ... دموعي حتى أسرع الحزن في عقلي١

كأن لم نسر يوما ونحن بغبطة ... جميعا وينزل عند رحليهما رحلي

فعيني إن أفضلتما بعد وائل ... وصاحبه دمعا فعودا على الفضل٢

خليل من دون الأخلاء أصبحا ... رهيني وفاء من وفاة ومن قتل

فلا يبعدا للداعيين إليهما ... إذا أغبر آفاق السماء من المحل٣

فقد عدم الأضياف بعدهما القرى ... وأخمد نار الليل كل فتى وغل٤

وكانا إذا أيدي الغضاب تحطمت ... لواغر صدر أو ضغائن من تبل٥

تحاجز أيدي جهل القوم عنهما ... إذا اتعب الحلم التترع بالجهل٦

كمستأسدي عريسة لهما بها ... حمى هابه من بالحزونة والسهل٧

فهو حزين مكلوم، قد أظلمت عليه الدنيا، وأخذ يتجرع الحياة غصصا مريرة، ويذرف الدموع الغزيرة، حتى كاد يجن لموت أخويه. ولا يلبث أن يعزي نفسه بهما، ويخفف عنها الخطب فيهما، فقد كانا بطلين مغوارين جبارين، قتلا في ساحة الوغى، واستشهدا في النضال عن حوزة الإسلام، ولا سبيل إلى الخلود، والبقاء السرمدي فيها. ثم ينتقل إلى تأبينهما، منوها بخصالهما الحميدة من كرم فياض في الحدب، وحلم عند الغضب، وسداد في الرأي، وجلالة ومهابة في قومهما.

وقال يرثي أخاه وائلا، وهي من مختار المراثي، وجيد شعره٨:


١ تربصا دموعي: استنزفاها قليلا قليلا.
٢ أفضلت العين الدمع: أبقت منه بقية، وتركت منه شيئا.
٣ المحل: الجدب وانقطاع المطر.
٤ الوغل: النذل الساقط المقصر في الأشياء.
٥ الوغر: التوقد من الغيظ. والتبل: العداوة.
٦ تحاجز: تتحاجز. والتترع: التسرع.
٧ المستأسد: الجريء عنى به الأسد. والعريسة: مأوى الأسد. الحزونة: الأرض الغليظة.
٨ الأغاني ١٣: ٣٥٣، وأمالي اليزيدي ص: ٣١، وحماسة ابن الشجري ص: ٣١٠، والحماسة البصرية=

<<  <   >  >>