للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يهجعا في الليل. ولم يقيلا في الظهيرة سويا. وأخذ يدعو لقبره بالسقيا، ويحييه على البعد تحيات دائمة أناء الليل وأطراف النهار.

ثم قتل أخوه حكم أيضا في وجهه وبرز بعض عشيرته إلى قاتله فقتله، وأتى أخاه الشمردل أيضا نعيه فقال يرثيه١:

يقولون احتسب حكما وراحوا ... بأبيض لا أراه ولا يراني٢

وقبل فراقه أيقنت أنني ... وكل ابني أب متفارقان

أخ لي لو دعوت أجاب صوتي ... وكنت مجيبه أنى دعاني

فقد أفنى البكاء عليه دمعي ... ولو أني الفقيد إذا بكاني

مضى لسبيله لم يعط ضيما ... ولم ترهب غوائله الأداني

قتلنا عنه قاتله وكنا ... نصول به لدى الحرب العوان٣

قتيلا ليس مثل أخي إذا ما ... بدا الخفرات من هول الجنان٤

وكنت سنان رمحي من قناتي ... وليس الرمح إلا بالسنان

وكنت بنان كفي من يمين ... وكيف صلاحها بعد البنان

وكان يهابك الأعداء فينا ... ولا أخشى وراءك من رماني

فقد أبدوا ضغائنهم وشدوا ... إلى الطرف واغتمزوا لباني٥

فداك أخ نبا عنه غناه ... ومولى لا تصول له يدان

فهو متألم لفقد أخيه، على الرغم مما استقر في نفسه من أن الحياة لا تدوم، وأن الموت غاية كل حي، وأن كل أخوين لا بد أن تعدو المنية على أحدهما قبل الآخر.


١ الأغاني ٣: ٣٥٥، وأمالي اليزيدي ص: ٤٥.
٢ احتسب عند الله خيرا إذا قدمه، ومعناه اعتده فيما يدخر.
٣ العوان من الحروب: التي قوتل فيها مرة بعد مرة.
٤ الخفرات: جمع خفرة، وهي الشديدة الحياء. الجنان: القلب.
٥ الطرف: الكريم من الخيل. واغتمزوا لباني: استضعفوا اللين مني.

<<  <   >  >>