للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكان سليمان بن قتة، مولى بني تميم بن مرة القرشيين، صديقا لأسد، فرثاه بدوره رثاء حارا تحرق فيه عليه، واستسقى لقبره، وأشاد به. فقد كان أسد في رأيه حاميا لحقيقتهم، قائما بأمورهم، حاملا لهمومهم، ساعيا لانتزاع حقوقهم، آخذا بثاراتهم، وكان فارسهم المشهور، الذي طالما حز بسيفه رؤوس أعدائهم حزا، وطعنهم برمحه طعنا، يقول:١:

سقى الله بلخا سهل بلخ وحزنها ... ومروي خراسان السحاب المجمما٢

وما بي لتسقاه ولكن حفرة ... بها غيبوا شلوا كريما وأعظما٣

مراجم أقوام ومردى عظيمة ... وطلاب أوتار عفرنا عثمثما٤

لقد كان يعطي السيف في الروع حقه ... ويروي السنان الزاغبي المقوما٥

وتتضح من النصوص السابقة ظاهرتان: الأولى أن الشعراء العرب بخراسان، لم يبتدعوا معاني في الرثاء، على كثرة ما نظموا فيه، ولم يعدلوا في أسلوبه أي تعديل، وإنما احتذوا فيه بالمرثية الجاهلية أدق الاحتذاء، بحيث أبدأوا وأعادوا في معانيها وقوالبها التعبيرية، وهم يندبون أو يؤبنون أو يعزون٦.

والظاهرة الثانية أنهم لم يرثوا إلا أولى القربى من الإخوة والأولاد والولاة، وأنهم لم يرثوا إلا العمال الذين كانوا يحابونهم، ويمالئون قبائلهم. وذلك بين في رثاء الشمردل بن شريك التميمي لإخوته قدامة، ووائل، وحكم، وفي رثاء موسى بن عبد الله بن خازم السلمي لأخيه محمد، وفي رثاء نصر بن سيار لابنه تميم، وفي رثاء عبد الرحمن بن جمانة الباهلي لقتيبة بن مسلم، وفي رثاء نهار بن توسعة البكري


١ الطبري ٩: ١٦٣٩، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ٢: ٤٦٤.
٢ المجمم: الكثير.
٣ الشلو: الجلد أو الجسد.
٤ الرجم: القتل، وراجم عن قومه: ناضل عنهم، والعفرني: الداهية النافذ في الأمر. المبالغ فيه مع خبث.
والعثمثم: الأسد القوي الطويل في غلظ.
٥ الزاعبي: الرمح اللين إذا هز تدافع كله كأن آخره يجري في مقدمه.
٦ الرثاء للدكتور شوقي ضيف ص: ١٢، ٥٤، ٨٦.

<<  <   >  >>