للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يحذرني الموت ابن حبناء والفتى ... إلى الموت يغدو جاهدا ويروح

وكل امرئ لا بد للموت صائر ... وإن عاش دهرا في البلاد يسيح

فقل ليزيد يا بن حبناء لا تعظ ... أخاك وعظ نفسا فأنت جنوح

تركت التقى والدين دين محمد ... لأهل التقى والمسلمين يلوح

وتابعت مراق العراقين سادرا ... وأنت غليظ القصريين صحيح١

وقدم عراك بن محمد الفقيه من مصر على عمر بن عبيد الله بن عمر التيمي بفارس، فكان يحدثه بحديث الفقهاء. فقال زياد يهجو عراكا، لأنه لم يطق التباين بين قوله وعمله، فهو ينفر من الدنيا، ويأمر بالزهد فيها، وهو في الوقت نفسه طامع في متاعها وبهجتها٢:

يحدثنا أن القيامة قد أتت ... وجاء عراكا يبتغي المال من مصر

فكم بين باب النوب إن كنت صادقا ... وإيوان كسرى من فلاة ومن قصر

وكل الشواهد السابقة من الهجاء الشخصي، ترجع إما إلى تقتير ممدوحيه عليه، وإما إلى اعتداده بذاته وفنه، وضيقه بمزاحمة الشعراء له، وإما إلى تأذيه من أسلوب الوعظ. وله مقطوعات أخرى من الهجاء القبلي والسياسي. فقد كان كغيره من شعراء القبائل يتقمص شخصية مواليه العبديين، ويعتز بانتسابه إليهم، وينصب نفسه للدفاع عنهم. وقد اصطدم بغير شاعر من شعراء يشكر البكريين، وهم عبد القيس من جذم واحد، فهم جميعا من قبائل ربيعة، وقد كانوا متحالفين في البصرة وخراسان، ولكن تناقض مصالح الطرفين هو الذي جره للالتحام بهم. وفي بني يشكر يقول متهما لهم بأنهم أدعياء في بكر، ألصقوا أنفسهم بهم إلصاقا، وانتحلوا نسبها انتحالا، وأنهم كالذنب للدابة، لا خير فيهم٣:


١ القصريان: مثنى قصري، وهي آخر ضلع في الجنب أسفل الأضلاع.
٢ الأغاني ١٥: ٣٨٥.
٣ طبقات فحول الشعراء ص: ٦٩٩.

<<  <   >  >>