للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولم يكد يسمع أن الفرزدق هم بهجاء عبد القيس، حتى انبرى له يهجوه متهما إياه بأنه مغلب، وأن من هجوه لم يدعوا معطنا يهجم عليه منه، وأنه إن هجا العبديين فلن يؤثر عليهم، فهم كالبحر يظل له صفاؤه مهما قذف فيه يقول١:

وما ترك الهاجون لي إن هجوته ... مصحا أراه في أديم الفرزدق

ولا تركوا لحما يرى فوق عظمه ... لآكله أبقوه للمتعرق٢

سأكسر ما أبقوا له من عظامه ... وأنكت مخ الساق منه فأنتقي٣

وإنا وما تهدي لنا إن هجوتنا ... لكالبحر مهما يلق في البحر يغرق

فامتنع الفرزدق عن هجائهم، خوفا من معرة لسانه.

كذلك اشتبك بكعب الأشقري في خراسان، حين تضاربت منافع الأزد وعبد القيس، واشتعلت الحرب بينهم، فسلط على كعب أسواط هجائه، ولم يزل به وبالأزد حتى وضع من كبريائهم وفيه يقول٤:

إذا عذب الله الرجال بشعرهم ... أمنت لكعب أن يعذب بالشعر

ويقول في الأزد ساخرا منهم٥:

أتتك الأزد تعثر في لحاها ... تساقط من مناخرها الجواف٦

ويقول فيهم نافيا عنهم كل صفات الخير والصدق٧:


١ طبقات فحول الشعراء ص: ٦٩٥، والشعر والشعراء ١: ٤٣١، والأغاني ١٥: ٣٩٣، ومعجم الأدباء ١١: ١٦٩، وخزانة الأدب ٤: ١٩٢.
٢ المتعرق: الذي يأخذ اللحم من العظم بأسنانه.
٣ نكت العظم: جذب طرفه بشيء ليخرج مخه. وانتقى العظم: استخرج نقيه: أي مخه.
٤ الشعر والشعراء ١: ٤٣٢، والأغاني ١٥: ٣٩٣.
٥ الشعر والشعراء ١: ٤٣٢، والأغاني ١٥: ٣٩٤.
٦ الجواف: نوع من السمك.
٧ الشعر والشعراء ١: ٤٣٣، والأغاني ١٥: ٣٩٣.

<<  <   >  >>