للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

زاوية، وإذا وكيع بن أبي سود هو الذي انتصر للأمة والدين والخليفة فاستحق جنات الخلد، يقول١:

ومنا الذي سل السيوف وشامها ... عشية باب القصر من فرغان

عشية لم تمنع بنيها قبيلة ... بعز عراقي ولابيمان

عشية ود الناس أنهم لنا ... عبيد إذ الجمعان يضطربان

عشية ما ود ابن غراء أنه ... له من سوانا إذ دعا أبوان٢

عشية لم تستر هوازن عامر ... ولا غطفان عورة ابن دخان٣

رأوا جبلا يعلو الجبال إذا التقت ... رؤوس كبيريهن ينتطحان

رجال على الإسلام إذ ما تجالدوا ... على الدين حتى شاع كل مكان٤

وحتى دعا في سور كل مدينة ... مناد ينادي فوقها بأذان

فيجزى وكيع بالجماعة إذ دعا ... إليها بسيف صارم وسنان

جزاء بأعمال الرجال كما جزى ... ببدر وباليرموك فيء جنان

وواضح من كل الأبيات والمقطوعات التي استشهدنا بها، والتي نظمها الشعراء في خراسان والعراق، بعد هلاك قتيبة أن ما يشيع فيها من المنافسة والمفاخرة والمكاثرة يعود إلى سببين أساسيين: الأول استبداد الروح الجاهلية، والعصبية القبلية بنفوس قبائلهم، وقوة إحساسهم بالفردية والذاتية، وضعف تمثلهم لفكرة الوحدة والأمة. والثاني رغبة كل قبيلة في منافقة سليمان بن عبد الملك ومصانعته، فقد أعلن شعراء كل قبيلة أن قومهم رفضوا الخروج عليه، وعدوا عصيان قتيبة له عبثا وجرما كبيرا، ولذلك فإنهم انفصلوا عن قتيبة، وفتكوا به، إيمانا منهم بحق سليمان في الخلافة، واعتقادا منهم بأن الفتنة يجب أن توأد مهدها، لما تنذر به من أخطار جسيمة.


١ ديوانه ٢: ٣٣١، ونقائض جرير والفرزدق ١: ٣٥١، والطبري ٩: ١٣٠١.
٢ ابن غراء: هو ضرار بن مسلم أخو قتيبة بن مسلم، وأمه غراء بنت ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة.
٣ ابن دخان: لقب باهلة.
٤ تجالدوا: جاهدوا وصبروا.

<<  <   >  >>