ثم تثبت" الهمزة في هذه السورة؛ أي لم تحذف ولم تقلب بشيء لا أنه تثبت كما هي "لقوة عريكتها"؛ أي لقوة طبيعة الهمزة المتحركة مع تحرك ما قبلها وأقسام ذلك تسعة؛ لأن الهمزة إما مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وعلى التقادير ما قبلها إما مفتوح أو مكسور أو مضموم، والحاصل ضرب الثلاثة في الثلاثة تسعة، فإن كان الهمزة مفتوحة فما قبلها أيضا "نحو سأل" أو مكسور نحو مائة أو مضموم نحو مؤجل "و" إن كانت مضمومة فما قبلها إما مضموم نحو "لؤم" أو مفتوح نحو رؤف أو مكسور نحو مستهزئون، وإن كانت مكسورة فما قبلها إما مكسور أيضا نحو مستهزئين "و" مضموم نحو "سئل" أو مفتوح نحو سئم، والقياس في الصور التسع كلها أن تجعل بين بين؛ لأن فيه تخفيفا للهمزة مع بقية من آثارها ليكون دليلا على أن أصل الكلمة الهمزة، لكن في صورتين منها لا يمكن جعلها بين بين، وأشار إليهما بقوله: "إلا إذا كانت الهمزة مفتوحة وما قبلها مكسورا أو مضموما" فإن الهمزة حينئذ لم تجعل بين بين، بل "تجعل واوا" إن كان ما قبلها مضموما "أو" تجعل "ياء" إن كان ما قبلها مكسورا "نحو مير" بكسر الميم وفتح الياء أصله مئر بفتح الهمزة وهي جمع المثرة وهي العداوة "وجون" بضم الجيم وفتح الواو أصله جؤن بفتح الهمزة وهو جمع جؤنة بالضم وهو سليلة مستديرة مغشاة أو ما يكون مع العطارين، وكذلك مائة ومؤجل وذلك "لأن الفتحة كالسكون في اللين"؛ أي في لين عريكتها "فتقلب" الهمزة بشيء في حال الفتح "كما" تقلب "في" حال "السكون. فإن قيل: لِمَ لا تقلب" الهمزة "في" سأل "ألفا و" الحال أن "همزته مفتوة ضعيفة" وما قبلها مفتوح أيضا "قلنا: فتحتها صارت قوية بفتحة ما قبلها"؛ لأن الجنس يتقوى بالجنس فلهذا لم تقلب ألفا. ولما توجه أن يقال إن هذا الجواب منقوض بقول الشاعر: لا هناك المرتع؛ لأن ما قبل الهمزة المفتوحة مفتوحة مع أنها تقلب ألفا. أجاب بقوله: "ونحو: لا هناك المرتع شاذ" أصله لا هنأك بفتح الهمزة فقلبت ألفا على خلاف القياس، والمرتع بفتح الميم اسم مكان من رتعت الماشية؛ أي أكلت ما شاءت، هذا وقال المحققون: إنما لم يجعل الهمزة بين بين في هاتين الصورتين؛ لأنهم لو جعلوها بين بين المشهور يقرب من الألف؛ لكون حركتها فتحة وقبلها الضمة أو الكسرة وهما لا يقعان قبل الألف، فكذا لا يقعان قبل ما قرب منها ولما تعذر المشهور تعذر غير المشهور؛ لأنه فرعه. واعلم أن ما ذكره المصنف من استثناء الصورتين مذهب سيبويه ومختار عند المحققين أيضا. قال ابن الحاجب: وحكي عن يونس جعلها بين بين في الضربين المستثنيين أيضا، والحق ما قاله سيبويه "والثالث" وهو تخفيف الهمزة بالحذف "يكون إذا كانت" الهمزة "متحركة و" كان "ساكنا ما قبلها و"حينئذ يحذف الهمزة جوازا "لكن تلين فيه أولا" بجعلها ساكنة "للين عريكتها" في الجملة قبل ذلك التليين "بمجاورة الساكن"؛ أي بسبب مجاورته الساكن "ثم تحذف" الهمزة