للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[شرح ديكنقوز]

الهمزة ليست بساكنة حتى تلين طبيعتها وتطاوع استدعاء حركة ما قبلها ولا للحذف؛ إذ لا يبقى من آثارها وعوارضها ما يدل عليها؛ لأن ما قبلها متحرك لا يقبل نقل حركتها إليه فيتعين بين بين "ثم تثبت"؛ أي بعد تركها وتحرك ما قبلها تثبت الهمزة على تخفيفها بين بين في كل الأحوال لا تطاوع الحذف والقلب "لقوة عريكتها"؛ أي الهمزة المتحركة بسبب حركتها مع حصول التخفيف فأحوال الهمزة حينئذ مع أحوال ما قبلها تسعة حاصلة من ضرب الثلاثة في الثلاثة "نحو سأل ولؤم" وسئم ورؤس وجؤن "وسئل" ومستهزئين وميئر ومستهزئون، ففي هذه الأحوال كلها تثبت الهمزة بجعلها بين بين "إلا إذا كانت مفتوحة وما قبلها مكسورا أو مضموما" فإنها لا تثبت حينئذ بل "تجعل واوا" إن كان ما قبلها مضموما "أو" تجعل "ياء" إن كان ما قبلها مكسورا "نحو مير" فيما كان ما قبلها مكسورا أصله مئر "وجون" فيما كان ما قبلها مضموما أصله جؤن "لأن الفتحة كالسكون في اللين" والضعف "فتقلب" الهمزة المفتوحة "كما" تقلب "في" حال "السكون. فإن قيل: لِمَ لا تقلب" الهمزة "ألفا في سأل وهمزته"؛ أي همزة سأل "مفتوحة ضعيفة" لينة "قلنا: فتحته"؛ أي فتحة همزة سأل يحذف المضاف "صارت قوية بفتح ما قبلها"؛ لأن الشيء يقوى بجنسه "ونحو لا هناك المرتع" في لا هناك بقلب الهمزة ألفا مع كونها وكون ما قبلها مفتوحين "شاذ" وهو بعض من بيت صدره:

راحت بمسلمة البغال عشية ... فارعى فزارة لا هناك المرتع

وهو للفرزدق يهجو عمر الفزاري حين ولي على العراق بدل عبد الملك راحت ذهبت الباء في بمسلمة للتعدية، والبغال فاعل، راحت عشية بعد الظهر ظرف راحت، فارعى أمر من الرعي لجماعة المخاطبين، فزاره منادى حذف حرف النداء اسم قبيلة، المرتع فاعل، لا هناك وهو دعاء عليهم. يريد أن ابن السلطان فر وترك الملك لك فاغتنم به لا بور لك فيه ولا تتمتع به "والثالث" من تلك الطرق وهو الحذف "يكون إذا كانت" الهمزة "متحركة وساكنا ما قبلها ولكن" لا يقع الحذف ابتداء بل "تلين" الهمزة بسلب حركتها "فيه"؛ أي فيما إذا كانت الهمزة متحركة وساكنا ما قبلها "أولا"؛ أي قبل الحذف ليكون التخفيف على التدريج "للين عريكتها بمجاورة الساكن" في الجملة قبل ذلك التليين فإن الصحبة مؤثرة فتنقاد للتليين والتصرف فيها "ثم تحذف" الهمزة لاجتماع الساكنين أحدهما الهمزة والآخر الساكن الذي قبلها، وإنما تعين الحذف حينئذ؛ لأنه


[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
ثم تثبت" الهمزة في هذه السورة؛ أي لم تحذف ولم تقلب بشيء لا أنه تثبت كما هي "لقوة عريكتها"؛ أي لقوة طبيعة الهمزة المتحركة مع تحرك ما قبلها وأقسام ذلك تسعة؛ لأن الهمزة إما مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وعلى التقادير ما قبلها إما مفتوح أو مكسور أو مضموم، والحاصل ضرب الثلاثة في الثلاثة تسعة، فإن كان الهمزة مفتوحة فما قبلها أيضا "نحو سأل" أو مكسور نحو مائة أو مضموم نحو مؤجل "و" إن كانت مضمومة فما قبلها إما مضموم نحو "لؤم" أو مفتوح نحو رؤف أو مكسور نحو مستهزئون، وإن كانت مكسورة فما قبلها إما مكسور أيضا نحو مستهزئين "و" مضموم نحو "سئل" أو مفتوح نحو سئم، والقياس في الصور التسع كلها أن تجعل بين بين؛ لأن فيه تخفيفا للهمزة مع بقية من آثارها ليكون دليلا على أن أصل الكلمة الهمزة، لكن في صورتين منها لا يمكن جعلها بين بين، وأشار إليهما بقوله: "إلا إذا كانت الهمزة مفتوحة وما قبلها مكسورا أو مضموما" فإن الهمزة حينئذ لم تجعل بين بين، بل "تجعل واوا" إن كان ما قبلها مضموما "أو" تجعل "ياء" إن كان ما قبلها مكسورا "نحو مير" بكسر الميم وفتح الياء أصله مئر بفتح الهمزة وهي جمع المثرة وهي العداوة "وجون" بضم الجيم وفتح الواو أصله جؤن بفتح الهمزة وهو جمع جؤنة بالضم وهو سليلة مستديرة مغشاة أو ما يكون مع العطارين، وكذلك مائة ومؤجل وذلك "لأن الفتحة كالسكون في اللين"؛ أي في لين عريكتها "فتقلب" الهمزة بشيء في حال الفتح "كما" تقلب "في" حال "السكون. فإن قيل: لِمَ لا تقلب" الهمزة "في" سأل "ألفا و" الحال أن "همزته مفتوة ضعيفة" وما قبلها مفتوح أيضا "قلنا: فتحتها صارت قوية بفتحة ما قبلها"؛ لأن الجنس يتقوى بالجنس فلهذا لم تقلب ألفا. ولما توجه أن يقال إن هذا الجواب منقوض بقول الشاعر: لا هناك المرتع؛ لأن ما قبل الهمزة المفتوحة مفتوحة مع أنها تقلب ألفا. أجاب بقوله: "ونحو: لا هناك المرتع شاذ" أصله لا هنأك بفتح الهمزة فقلبت ألفا على خلاف القياس، والمرتع بفتح الميم اسم مكان من رتعت الماشية؛ أي أكلت ما شاءت، هذا وقال المحققون: إنما لم يجعل الهمزة بين بين في هاتين الصورتين؛ لأنهم لو جعلوها بين بين المشهور يقرب من الألف؛ لكون حركتها فتحة وقبلها الضمة أو الكسرة وهما لا يقعان قبل الألف، فكذا لا يقعان قبل ما قرب منها ولما تعذر المشهور تعذر غير المشهور؛ لأنه فرعه. واعلم أن ما ذكره المصنف من استثناء الصورتين مذهب سيبويه ومختار عند المحققين أيضا. قال ابن الحاجب: وحكي عن يونس جعلها بين بين في الضربين المستثنيين أيضا، والحق ما قاله سيبويه "والثالث" وهو تخفيف الهمزة بالحذف "يكون إذا كانت" الهمزة "متحركة و" كان "ساكنا ما قبلها و"حينئذ يحذف الهمزة جوازا "لكن تلين فيه أولا" بجعلها ساكنة "للين عريكتها" في الجملة قبل ذلك التليين "بمجاورة الساكن"؛ أي بسبب مجاورته الساكن "ثم تحذف" الهمزة

<<  <   >  >>