"وعند أهل الحجاز تخفف" الهمزتان "كلاهما"؛ لأنه أوفى بمقصود التخفيف، أما تخفيفهما وعدم تخفيفهما بلا فصل بينهما فلعدم لزوم اجتماعهما؛ إذ قد ينفك إحدى الكلمتين عن الأخرى، ولم يذكره المصنف أما تخفيفهما مع فصل فقد ذكره بقوله: "وعند بعض العرب تقحم"؛ أي تدخل على صيغة المجهول "بينهما"؛ أي بين الهمزتين "الألف للفصل" بين الهمزتين "نحو" قول ذي الرمة: فيا ظبية الوعساء بين جلاحل ... وبين النقا "آأنت ظبية أم أم سالم" الوعساء الأرض اللينة، وجلاحل بالجيم المفتوحة والحاء المهملة المضمومة اسم موضع، ونقا اسم موضع آخر، وأم سالم اسم حبيبته، قال بعض المحققين: إنهم درجوا على إثبات الهمزتين فزادوا ألفا بينهما هربا من اجتماعهما، ثم قال: ولا يجوز إثبات تلك الألف في الخط كراهة اجتماع ثلاث ألفات، وذكر ابن الحاجب في شرح المفصل لم يثبت ذلك؛ يعني إقحام الألف إلا في مثل آأنت وشبهه "ولا تخفف الهمزة" بوجه من وجوه التخفيف إذا وقعت "في أول الكلمة"؛ أي إذا ابتدئ بها، وأما إذا وقعت الهمزة في أول الكلمة، ولكن لم يبدأ بها بل بشيء قبلها جاز تخفيفها، ولهذا جوزوا تخفيف الهمزتين معا وثانيتهما في مثل فقد جاء أشراطها مع أن الثانية وقعت في أول الكلمة، وإنما لم تخفف إذا ابتدئ بها "لقوة المتكلم في الابتداء" ولأنه لو خففت وجعلت بين بين يقرب الهمزة المبتدأة من الساكن فكره أن يبتدأ بما يشبه الساكن، ولما لم يجز بين بين وهو الأصل في تخفيف الهمزة كما مر، حملوا الباقي عليه ولا يرد عليه نحو خذ وأصله أأخذ فخففت الهمزة بالحذف من أوله؛ لأنه حذفت الهمزة الثانية تخفيفا ثم استغني عن همزة الوصل فحذفت فلم يخفف الهمزة الأولى، ولا نحو قل وأصله أقول؛ لأنا نمنع أن أصله ذلك؛ لأنه مأخوذ من تقول فحذف حرف المضارعة وسكن اللام للجزم فصار قول فحذفت الواو للساكنين، فصار قل، فلم يوجد سبب وجود الهمزة وهو سكون القاف فلا يتحقق الهمزة ولا تخفيفها، أو نقول سلمنا أن أصله أقول لكن أعل بنقل حركة الواو إلى القاف وحذفت الواو لالتقاء الساكنين فاستغني عن همزة الوصل فحذفت لا على وجه التخفيف، بل لعدم الاحتياج إليه، كذا ذكره الجاربردي موافقا لما ذكره ابن الحاجب، قوله: "وتخفيفها"؛ أي الهمزة "بالحذف" من أول الكلمة "في ناس أصله أناس شاذ" جواب عن سؤال مقدر وارد على قوله: ولا تخفف الهمزة في أول الكلمة والناس جمع لا واحد له من لفظه كالقوم والرهط "وكذلك إله"؛ أي إله كأناس في حذف الهمزة من أوله على خلاف القياس؛ لأنهم خالفوا القياس فيه أيضا "فحذفوا الهمزة" من أوله تخفيفا لكثرته في الكلام