للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[شرح ديكنقوز]

"وعند أهل الحجاز تخفيف كلاهما" ذكر كلاهما باعتبار الألف؛ لأن الثقل إنما لزم من اجتماعهما وتخصيص إحداهما بالتخفيف تحكم أو في تخفيفها جميعا وجهان؛ أحدهما أن تخفف الأولى على ما يقتضيه قياس التخفيف لو نفردت، ثم تخفف الثانية على ما يقتضيه قياس تخفيفها لاجتماعهما في كلمة، ففي جاء أحمد تجعل الأولى بين بين والثانية تقلب واوا؛ لأن الهمزتين إذا اجتمعنا في كلمة واحدة ولم تكسر الثانية أو ما قبلها قلبت واوا، نحو: أوادم أصله أآدم في جمع آدم، وأويدم تصغير آدم أصله أييدم، والثاني أن تخففا معا على حسب ما يقتضيه تخفيف كل واحدة منهما لو انفردت، ففي مثل: جاء أحمد يجعلان بين بين؛ لأن المفردة إذا كان ما قبلها ألفا نحو: سائل، أو كان ما قبلها مفتوحا نحو: سأل، يجعل بين بين، وإن لم يكونا متفقين في الحركة خففت أيهما شئت على حسب ما يقتضيه التخفيف في كل واحدة منهما لو انفردت، ففي نحو: جاء إدريس يجعلان بين بين، ومثل: يدر أحد تجعل الأولى بين بين وتقلب الثانية واوا كجون وعلى هذا القياس "وعند بعض العرب مقحم بينهما ألف للفصل نحو آنت" حرصا متهم على إثبات الهمزة وهربا من اجتماعهما، ولا يجوز إثبات تلك الألف في الخط كراهة اجتماع ألفات ثلاث فلا يعرف إقحام الألف بينهما إذا كانت الأولى آخر الكلمة نحو: جاء أحمد، بل إنما يعرف إذا كانت الأولى همزة استفهام "نحو قول الشاعر" ذي الرمة:

فيا ظبية الوعساء بين جلاحل ... وبين النقا "آأنت ظبية أم أم سالم

أصله أأنت الوعساء الأرض اللينة، وجلاجل اسم موضع وكذا النقا، ونحو قول الآخر:

خرق إذا ما القوم أبدو فكاهة ... تفكر آياه يعنون أم قردا

أصله أخرق وهو للغليظ القصير الذي يقارب الخطا، وأبدوا أظهروا، والفكاهة المزاحة؛ يعني هو قصير غليظ يشبه القرد بحيث لو مازح القوم بذكر القرد لظن أن القوم يعنون به نفسه، ثم منهم من يحقق بعد إقحام الألف ومنهم من يخفف "ولا تخفف الهمزة في أول الكلمة" إذا لم يتصل بها كلمة أخرى، وذلك لأن المبتدأ بها لو خففت تجعل بين بين؛ إذ هو الأصل فيه كما مر، ولكن همزة بين بين قريبة من الساكن فيمتنع الابتداء بها، وإذا امتنع ما هو الأصل حملوا الباقي عليه، وأيضا ليس قبلها حرف حتى يتصور الحذف أو القلب مع أن الهمزة المبتدأ بها لا تكون مستثقلة "لقوة المتكلم في الابتداء" وحذف همزة قل للاستغناء لا للتخفيف "وتخفيفها بالحذف في ناس" اسم جمع للإنسان؛ إذ لم يثبت فعال في أبنية الجموع؛ إذ "أصله أناس" بالهمزة في الأول يشهد له إنسان وأناسي "شاذ" عن القياس المذكور "وكذلك"؛ أي في كناس في تخفيف الهمزة في الأول على غير القياس "إله" منكرا كما اختاره القاضي البيضاوي "فحذفوا الهمزة" منه حذفا على غير قياس


[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"وعند أهل الحجاز تخفف" الهمزتان "كلاهما"؛ لأنه أوفى بمقصود التخفيف، أما تخفيفهما وعدم تخفيفهما بلا فصل بينهما فلعدم لزوم اجتماعهما؛ إذ قد ينفك إحدى الكلمتين عن الأخرى، ولم يذكره المصنف أما تخفيفهما مع فصل فقد ذكره بقوله: "وعند بعض العرب تقحم"؛ أي تدخل على صيغة المجهول "بينهما"؛ أي بين الهمزتين "الألف للفصل" بين الهمزتين "نحو" قول ذي الرمة:
فيا ظبية الوعساء بين جلاحل ... وبين النقا "آأنت ظبية أم أم سالم"
الوعساء الأرض اللينة، وجلاحل بالجيم المفتوحة والحاء المهملة المضمومة اسم موضع، ونقا اسم موضع آخر، وأم سالم اسم حبيبته، قال بعض المحققين: إنهم درجوا على إثبات الهمزتين فزادوا ألفا بينهما هربا من اجتماعهما، ثم قال: ولا يجوز إثبات تلك الألف في الخط كراهة اجتماع ثلاث ألفات، وذكر ابن الحاجب في شرح المفصل لم يثبت ذلك؛ يعني إقحام الألف إلا في مثل آأنت وشبهه "ولا تخفف الهمزة" بوجه من وجوه التخفيف إذا وقعت "في أول الكلمة"؛ أي إذا ابتدئ بها، وأما إذا وقعت الهمزة في أول الكلمة، ولكن لم يبدأ بها بل بشيء قبلها جاز تخفيفها، ولهذا جوزوا تخفيف الهمزتين معا وثانيتهما في مثل فقد جاء أشراطها مع أن الثانية وقعت في أول الكلمة، وإنما لم تخفف إذا ابتدئ بها "لقوة المتكلم في الابتداء" ولأنه لو خففت وجعلت بين بين يقرب الهمزة المبتدأة من الساكن فكره أن يبتدأ بما يشبه الساكن، ولما لم يجز بين بين وهو الأصل في تخفيف الهمزة كما مر، حملوا الباقي عليه ولا يرد عليه نحو خذ وأصله أأخذ فخففت الهمزة بالحذف من أوله؛ لأنه حذفت الهمزة الثانية تخفيفا ثم استغني عن همزة الوصل فحذفت فلم يخفف الهمزة الأولى، ولا نحو قل وأصله أقول؛ لأنا نمنع أن أصله ذلك؛ لأنه مأخوذ من تقول فحذف حرف المضارعة وسكن اللام للجزم فصار قول فحذفت الواو للساكنين، فصار قل، فلم يوجد سبب وجود الهمزة وهو سكون القاف فلا يتحقق الهمزة ولا تخفيفها، أو نقول سلمنا أن أصله أقول لكن أعل بنقل حركة الواو إلى القاف وحذفت الواو لالتقاء الساكنين فاستغني عن همزة الوصل فحذفت لا على وجه التخفيف، بل لعدم الاحتياج إليه، كذا ذكره الجاربردي موافقا لما ذكره ابن الحاجب، قوله: "وتخفيفها"؛ أي الهمزة "بالحذف" من أول الكلمة "في ناس أصله أناس شاذ" جواب عن سؤال مقدر وارد على قوله: ولا تخفف الهمزة في أول الكلمة والناس جمع لا واحد له من لفظه كالقوم والرهط "وكذلك إله"؛ أي إله كأناس في حذف الهمزة من أوله على خلاف القياس؛ لأنهم خالفوا القياس فيه أيضا "فحذفوا الهمزة" من أوله تخفيفا لكثرته في الكلام

<<  <   >  >>