للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[شرح ديكنقوز]

قيد بقولنا تستعمل احترازا عن باب فعل يفعل على صيغة المبني للمفعول فيهما؛ لأن المقصود من ذكر الأفعال بيان أحكامها. ولما لم يختلف حكم هذا الباب بالمعلومية والمجهولية، بل كان مبينا للمفعول أبدا للعلم بفاعلها في غالب العادة أنه هو الله تعالى تركه المصنف، وأيضا لما كان المبني للمفعول فرعا للمبني للفاعل؛ لأن الأول معلوم للثاني والغرض ذكر الأصول تركه وقال "خمسة وثلاثون بابا ستة منها" كائنة "للثلاثي المجرد" وإلا فله سبعة قدم الثلاثي على الرباعي لتقدمه الطبيعي، ووجه ضبطه أن لماضيه ثلاثة أبنية أحدهما فعل يفعل؛ لأن أوله لا يكون إلا مفتوحا حالا لامتناع الابتداء بالسكون واستثقال الضمة والكسرة عليه، والثاني منه لا يكون إلا متحركا لاستلزام سكونه اختلاط الأبنية، وما قيل والالتقاء الساكنين عند اتصال الضمير المرفوع البارز المتحرك بالفعل فلا يخلو عن دور وحركاته لا تزيد على ثلاثة فإن كانت فتحة فلا يلخو من أن يكسر عين مضارعة أو يضم أو يفتح، وإن كانت كسرة فأما أن يفتح عين مضارعه أو يكسر وإن كانت ضمة فعين مضارعه لا يكون إلا مضموما لحصر بحسب الوقوع في ستة وهي "نحو ضرب يضرب" بفتح العين في الماضي وكسرها في الغابر "وقتل يقتل" بفتح العين في الماضي وضم عين المضارع "وعلم يعلم" يكسر العين في الماضي وفتحه في المستقبل "وفتح يفتح" بفتحه فيهما "وكرم يكرم" بضمه فيهما "وحسب يحسب" بكسره فيهما "وتسمى الثلاثة الأول دعائم الأبواب" جمع دعامه وهي عموم البيت أي أصولها "لاختلاف حركاتهن في عين الماضي والمستقبل" فكما أن معنى الماضي مخالف لمعنى المستقبل، كذلك ينبغي أن يكون لفظه مخالفا للفظه ليطابق اللفظ والمعنى في الاختلاف فلا شك أن ما وقع فيه المخالفة أصل بالنسبة إلى غيره "وكثرتهن" أي ولكثرة استعمالهن فإنها سبب لفصاحة الكلمة فيكون سببا لأصالتها ولذلك قدمها على الثلاثة الأخر، وأما تقديم بعض الأول على بعضها؛ فلأن الاختلاف في الأول أكثر؛ لأن مخالفة الفتح للكسر أكثر من مخالفة الفتح للضم؛ لأن الفتح علوي والكسر سفلي والضم بينهما يشهد به الوجدان؛ وأما تقديم الثاني على الثالث فلفتح عين ماضيه ومن قدم الثاني على الأول نظر إلى أن الضم علوي وأنه أقوى أو قصد التدريج في النزول من العلوي إلى السفلي الذي هو الأصل بخفته فهو أحق بالتقديم، وأما تقديم بعض الأخر على بعضها فلفتح عين الأول في الماضي والمضارع ولكثرة استعماله بالنسبة إلى الثاني، وأما الثاني فللنظر إلى أن الضم فوقي


[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"خمسة وثلاثون بابا" باتفاق منهم بالاستقراء "ستة منها للثلاثي المجرد" والمراد عن الثلاثي المجرد ما كان ماضيه على ثلاثة أحرف أصول ووجا تقديمه على ما عداه ظاهر، ووجه الضبط فيها أنهم فتحوا أول الماضي للخفة ولامتناع الابتداء بالساكن ولا يشكل بالمجهول ولا بفعل مكسور الأول كشهد كعروض الضم والكسر فيهما ولأن الضم في المجهول للفرق واعتبر في العين ثلاث حركات؛ إذ لو كان ساكنا يلزم التقاء الساكنين عند اتصال الضمير المرفوع مثل ضربت ولم يعتبروا حركة اللام لكونها محل التغيير فكانت للماضي ثلاثة أبنية والتزموا سكون الفاء في المضارع فرارا من توالي الحركات الأربع كما سيأتي في فصله، واعتبروا في عينه أيضا ثلاث حركات؛ لأنه لو كان ساكنا يلزم التقاء الساكنين عند دخول الجوازم عليه مثل لم يضرب فضربوا الثلاثة في الثلاثة فحصل تسعة ثلاثة منها بفتح الأول مع الحركات الثلاث في الثاني وثلاثة بكسر الأول مع الحركات الثلاث في الثاني، لكن لم يعتبروا الكسر مع الضم؛ لأن الكسر مع الضم ثقيل فبقي اثنان وثلاثة بضم الأول مع الحركات الثلاث في الثاني، لكنهم لم يعتبروا الضم مع الكسر وكذا مع الفتح؛ لأن الضم معهما ثقيل فبقي واحد وهو الضم مع الضم فبقي من التسعة الستة، فإن قلت: الكسر مع الكسر وكذا الضم مع الضم ثقيل أيضا، قلت: ما كان الكسر مع الكسر من جنس واحد وكذا الضم مع الضم لم يكن ثقيلا؛ إذ الثقل في اختلافها فتدبر "نحو ضرب يضرب" على وزن فعل يفعل بفتح العين في الماضي وكسرها في الغابر، وهو الباب الثاني لكن قدمه في الذكر لزيادة الاختلاف بين الفتح والكسر؛ لأن الأول علي والثاني سفلي والضم متوسط، وإنما استحق التقديم بزيادة اختلاف حركتها؛ لأنها تدل على زيادة اختلاف معناهما فيصير عريقا في كونه من الدعائم "وقتل يقتل" على وزن فعل يفعل بفتح العين في الماضي وضمها في الغابر وهو الباب الأول "وعلم يعلم" على وزن فعل يفعل بكسر العين في الماضي وفتحها في الغابر وهو الباب الرابع، "و" لكن قدمه على "فتح يفتح" على وزن فعل يفعل بفتح العين فيهما وهو الباب الثالث لدخوله في الدعائم "وكرم يكرم" على وزن فعل يفعل بضم العين فيهما وهو الباب الخامس "وحسب يحسب" على وزن فعل يفعل بكسر العين فيهما وهو الباب السادس "وسمى الثلاثة الأول" وهو الباب الثاني والأول والرابع دعائم "الأبواب" أي أصولها وهي جمع دعامة بالكسر، وهي عمود البيت "لاختلاف حركاتهن في عين الماضي والمستقبل" فإن قلت: لِمَ اشترط اختلاف حركة الماضي حركة المضارع في دعائم الأبواب؟ قلت: لأن معنى الماضي لما كان مخالفا لمعنى المستقبل اقتضى ذلك أن يكون لفظ الماضي مخالفا للفظ المستقبل؛ ليطابق اللفظ المعنى على ما هو الأصل في كلامهم "وكثرتهن" أي في الاستعمال فبهذين الشرطين معا يدخل الباب في الدعائم لا بواحد منهما

<<  <   >  >>