عليه السلام: "لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" وأتبع على ترك الحمد ترك الصلاة على النبي عليه السلام وعلى آله وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ويمكن أن يقال إن مثل ترك الحمد لإظهار عجزه في مقام الحمد بناء على أن عظمته تعالى ليست في حد يمكن أن تعبر عنها النفوس الناطقة البشرية القاصرة، حمد بناء على أن معنى الحمد فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما، وأن هذا الترك فعل كذلك بل هو أبلغ وأولى من مثل الحمد لله؛ لأن دلائل الألفاظ وضعية قد يتخلف مدلولتها عنها بخلاف دلالة لأفعال فإنها عقلية، وبهذا المعنى قيل: أولى الحمد ترك الحمد، ويمكن أن يقال أيضا إن قوله: المفتقر إلى الله الودود حمد بناء على أن هذا القول يشعر بالتعظيم وكل ما يشعر حمد تدبر، وإنما ابتدأ بالماضي لدلالته على التحقيق والوقوع ولقصد الموافقة بين قوله تعالى: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} وبين كلامه اختار المفتقر على المحتاج ونحوه، فإن قلت: لِمَ لَمْ يقل قال الفقير مع أنه أصل قلنا: لأن في المفتقر زيادة حرف تدل على زيادة المعنى، ولما كان لفظة الله اسما للذات المستجمع لجميع الصفات فكان ذكره بها ذكره بجميع صفاته قال: "إلى الله الودود" دون إلى الغني وغيره من الصفات مع أن في الأول رعاية التضاد مع المفتقر وموافقة كلامه لكلام الله تعالى في ذكر الغني أيضا، ولما التزم الودود لرعاية السجع مع مسعود، وكان طول الكلام الأول قبيحا في السجع لم يقل إلى الله الغني الودود وهو فعول من وديود أي أحب يحب، وهو قد يجيء بمعنى الفاعل كالصبور بمعنى الصابر، وقد يجيء بمعنى المفعول كالحلوب بمعنى المحلوب، فعلى الأول يكون المعنى إلى الله المحب أنبياءه وأولياءه، وعلى الثاني إلى الله المحبوب في قلوب أنبيائه وأوليائه فها هنا يسوغ كلا معنييه لكن الثاني أنس؛ لأن إطلاق المحب على الله تعالى بتأويل وإن كان شائعا كأمير بخلاف المحبوب "أحمد" مرفوع على أنه عطف بيان للمفتقر "ابن علي" أصله عليو من العلو قلبت الواو ياء لاجتماعهما وسبق إحداهما بالسكون ثم أدغمت "ابن مسعود غفر الله له" أي لأحمد دعاء في صورة الإخبار بمعنى ليغفر، والسر في التعبير بالماضي في موقع الدعاء التفاؤل في القبول فكأن المدعو قد وقع والداعي أخبر عنه بالمضي أو إظهار الحرص في وقوعه "ولوالديه" أي أبوي أحمد قدم نفسه في الغفران على أبويه ليكون مستجاب الدعوة في حقهما، وقيل: لمتابعة إبراهيم عليه السلام حيث قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} وقدم أبويه في قوله: "وأحسن" أي الله "إليهما" أي إلي والدي أحمد "وإليه" أي إلى أحمد حفظا للأدب أو قدم نفسه في الغفران وأخرها في الإحسان لرعاية السجع "اعلم" أيها الطالب لتحصيل العلوم وقوله: اعلم إلى قوله: أرواح، بل إلى آخر الكتاب مقول القول "أن الصرف" وهو في الأصل مصدر صرف من باب ضرب ومعناه التبديل والتغيير، يقال: صرفت الدراهم بالدنانير وبين الدرهمين صرف، أي فضل لجودة فضة أحدهما ومنه الصيرفي، والتصريف مشتق منه للمبالغة والكثرة، ثم جعل الصرف والتصريف علمين لهذا العلم المعرف بأنه علم بأصول يعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب، فإن قلت: لما كانا علمين وكان في التصريف مبالغة وكثرة كان الأولى أن يقول المصنف: إن التصريف لكثرة تصرفات هذا العلم، قلت: لما كان الصرف أخف من التصريف وأصلاله وأوفق لما بعده من النحو في الوزن وعدد الحروف اختار الصرف "أم العلوم" أي أصلها ومبدؤها لأنها يبدأ منها العلوم، يقال للفاتحة أم القرآن وأم الكتاب؛ لأنها أصل القرآن منها يبدأ القرآن وإنما شبه الصرف بالأم في التولد، يعني كما أن الأم تلد الولد كذلك الصرف يلد الكلمة إشعار بشدة احتياج العلوم إليها؛ لأن الأم لا يكاد يستغني الولد عنها، فإن قلت فعلى هذا يكون علم الصرف أم الكلمة لا أم العلوم والمقصود هو الثاني قلت: لما كان استفادة العلوم من الكلمات والألفاظ صارت أمالها أيضا، فإن قيل: يلزم أن يكون الصرف إما لنفسه لأنه علم مستفاد من الكلمات والألفاظ أيضا أجيب بأن المراد من العلوم ما عدا الصرف، كما أن المنطق آلة لما عداه "والنحو" وهو علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم من حيث الإعراب والبناء "أبوها" أي أبو العلم شبه النحو بالأب