للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[شرح ديكنقوز]

الخروج "لأن الحرف الساكن لا يكون حاجزا" أي مانعا "حصينا" أي قويا "عندهم" أي عند أهل هذا الفن "ومن ثم" أي ومن أجل أن الحرف الساكن لا يكون حاجزا حصينا "يجعل واو قنوة ياء ويقال قنية" مع أن ما قبلها ليس بمكسور إلا أن النون لما كان ساكنا جعل كأنه معدوم، وأن ما قبل الواو وهو القاف مكسور فقلبت الواو ياء "وقيل" لم تكسر الهمزة في مثل اكتب، بل "تضم للاتباع" أي لاتباعها للعين في الضم؛ لأن خفة الموافقة بين الأثقلين غالبة على ثقل المخالفة بين الثقيل والأثقل "وفتح ألف أيمن" أي همزته ويجوز إطلاق الألف على الهمزة، إما حقيقة بالاشتراك على ما قيل، وإما مجازا لكونها على صورتها في بعض المواضع كما سيجيء إن شاء الله تعالى، أو لكونهما متحدين ذاتا والاختلاف إنما هو بالعارض، ولذلك شبهوهما بالهواء والريح فكما أن الهواء إذا تحرك صار ريحا والريح إذا سكنت صارت هواء، فكذا الألف إذا تحركت صارت همزة والهمزة إذا سكنت ومدت صارت ألفا "مع كونه للوصل" بدليل سقوطه في الدرج، والأصل في ألف الوصل الكسر لما عرفت "لأنه جمع يمين وألفه للقطع"؛ لأنه ألف أفعل وألفه مفتوحة "ثم جعل للوصل" أي عومل معاملة ألف الوصل بأن أسقطت في الدرج "لكثرته" أي لكثرة أيمن استعمالا، وكثرة الاستعمال تقتضي التخفيف والتخفيف يحصل بالوصل؛ إذ بالوصل تسقط الهمزة في اللفظ ولا خفة مثل السقوط "وفتح ألف التعريف" مع كونه للوصل بدليل سقوطه في الدرج "لكثرته" استعمالا "أيضا" أي كأيمن. واعلم أن حرف التعريف عند سيبويه هو اللام وحده والهمزة للوصل فتحت مع أن أصلها الكسر لكثرة استعمال اللام، وعند الخليل أل كهل علامة للتعريف، وإنما حذفت عنده همزة القطع في الوصل لكثرة استعمال أل، وعند المبرد حرف التعريف هي الهمزة المفتوحة وحدها، وإنما زيدت اللام بعدها للفرق بين همزة التعريف وهمزة الاستفهام، إذا عرفت هذا فقول المصنف ألف التعريف يحتمل أن يكون إشارة إلى مذهب المبرد، والظاهر لإضافة ألف فقط إلى


[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"لأن الحرف الساكن" مطلقا "لا يكون حاجزا حصينا" أي مانعا قويا يمنع الخروج المذكور "عندهم ومن ثم" أي ومن أجل أن الحرف الساكن لا يكون حاجزا حصينا "جعل واو قنوة ياء ويقال قنية" بكسر القاف فيهما، وقد يضم فيهما ويبقى الياء على حالها، يقال: قنوت الغنم وغيرها قنوة وقنيتها قنية إذا أقنيتها؛ أي أمسكتها لنفسك للتجارة، فإن قلت: إن ارموا أمر وعينه مضموم مع أن همزته مكسورة، وإن اغزى أمر وعنيه مكسور مع أن همزته مضمومة، قلت: حركة العين فيهما عارضة؛ لأن أصل ارموا ارميوا فأعل بالنقل والحذف، وأصل اغزى اغزوى فأعل أيضا بنقل حركة الواو إلى ما قبلها ثم حذفها لالتقاء الساكنين "وقيل تضم" الهمزة المجتلبة في مثل اكتب "للاتباع" أي لاتباع حركة الهمزة بحركة عين الفعل ويكسر فيما يكون عينه مكسورا للاتباع أيضا ولم يتبع في المفتوح لئلا يلزم الالتباس بينه وبين المضارع الموقوف، فإذا قلت مثلا أعلم بفتح الهمزة وسكون الميم لم يعلم أنه أمر أو مضارع أسكن آخره للوقف ولما توجه أن يقال إن قولكم الكسر أصل في همزة الوصل منقوض بقولنا أيمن؛ لأن همزته مفتوحة مع أنها للوصل أجاب بقوله: "وفتح ألف أيمن" بضم الميم سماها ألفا؛ لأن الهمزة إذا وقعت أولا تكتب على صورة الألف ولأنهما متقاربان في المخرج، ولذلك إذا احتاجوا إلى تحريك الألف قلبوها همزة، وقال في الصحاح: الألف على ضربين لينة ومتحركة، فاللينة تسمى ألفا والمتحركة تسمى همزة، ولهذا المعنى حكم الفقهاء زاد الله رفعة أعلامهم بأن الحروف ثمانية وعشرون "مع كونه للوصل" ومع كون الكسر أصلا في الوصل "لأنه" أي أيمن "جمع يمين" لا يجيء على وزنه واحدة في كلام العرب وأما الآجر والآنك فأعجميان، وهو بمعنى القسم سميت بذلك؛ لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل امرئ منهم يمينه على يمين صاحبه وإن جعلت اليمين ظرفا فلا تجمعه؛ لأن الظروف لا تكاد تجمع "وألفه للقطع" أي والحال أن ألف الجمع لا يكون إلا للقطع "ثم جعل" ألف أيمن "للوصل" بعد أن كان للقطع في الأصل؛ أي أجرى مجرى ألف الوصل في سقوطه في الدرج لا في الكسر "لكسرته" استعمالا هذا مذهب الكوفيين، وذهب البصريون إلى أنه مفرد على وزن أفعل؛ إذ قد يجيء في كلام العرب على وزنه مفرد مثل آجر وآنك وهو الأسرب وهما ليسا بأعجميين، والمفرد هو الأصل وهمزته للوصل، وإلا لما سقط في الدرج، وقال سيبويه: إنه من اليمن بمعنى البركة، يقال: يمن فلان علينا فهو ميمون قوله: "وفتح ألف التعريف لكثرته أيضا" عطف على قوله: وفتح ألف أيمن فيكون جوابا لسؤال مقدر. ثم اعلم أنهم اختلفوا في آلة التعريف فذكر المبرد في كتابه الشافي أن حرف التعريف الهمزة المفتوحة وحدها، وإنما ضم اللام إليها لئلا يشبه ألف التعريف بألف الاستفهام فيكون للقطع، وقال سيبويه: حرف التعريف اللام وحدها والهمزة زائدة للوصل، لكنها فتحت مع أن أصل همزات الوصل الكسر لكثرة استعماله، وقال الخليل: أل بكمالها آلة التعريف ثنائي نحو: هل فيكون همزته للقطع، وإنما حذفت في الدرج لكثرة الاستعمال، والمذاهب الثلاثة مذكورة في شرح الرضي مع أدلتها لكنا قررنا المسائل وتركنا الدلائل لئلا يطول الكلام، فمن رامها فليطالع ثمة، وإذا علمت ما قررناه فاعلم أن قوله: وفتح ألف تعريف لكثرته إنما يستقيم على مذهب سيبويه؛ إذ هو جواب بعد تسليم كونه للوصل وهو ظاهر، وإضافة الألف إلى التعريف لأدنى ملابسة فتدبر

<<  <   >  >>