حصل من الطرائف في مناقشة طالب في مناقشة طالب، والطالب هذا لما أنهى رسالته احترقت مكتبته بالكامل بما فيها البحث، فأسس مكتبة من جديد وبحث من جديد، وفي رسالته الجديدة يقول: مما طعن به ابن لهيعة أن احترقت كتبه هذا طعن، قلنا: طيب أنت احترقت كتبك إذاً أنت ضعيف، لا بد من إضافة قيد احترقت كتبه وعمدته عليها، هذا معروف عند المتقدمين كتبه مروياته، أما عندنا كلها بدل ما في شيء اسمه: مرويات.
فيختلف الأمر في وقتنا عما كان في وقتهم، الآن التدرج التأريخي للكتب والمؤلفات في أول الأمر سمعنا حديث أبي سعيد النهي عن الكتابة ليعتمد الناس على الحافظة، ثم بعد ذلكم أذن بالكتابة وتداولها الناس من غير نكير، وأجمع عليها، واعتمد عليها كثيرٌ من الناس، فهبطت نسبة الحفظ، وضعفت الحوافظ، والضعف في ازدياد، أذن بالكتابة فصار كل واحد يكتب لنفسه، مروياته يدونها بنفسه، ثم أصيب الناس بالترف فوكلوا نسخ الكتب إلى غيرهم، ووجدت دولة الوراقين، وقامت سوقهم، لكن هناك معاناة معاناة، إما بإعارة أو بإجارة، ثم ينكب على الكتاب وينسخه ويفيد من كتابته أكثر من قراءته عشر مرات، استمر الحال بالنزول إلى أن جاءت المطابع، قد يقول قائل: الكتابة نعمة، نعم الكتابة نعمة، لكن أثر هذه النعمة على حفظ العلم ظاهر، هي نعمة حفظت الدين وإلا ما المتصور لو كانت السنة غير مدونة، والناس في وضعهم الحالي من ضعف وإدبار، استمر الأمر على ذلك إلى أن جاءت المطابع، فأوجس أهل العلم منها خيفة، كيف؟ المطابع يا أخي نعمة، ورقٍ جميل، وحرف جميل، وتيسر لك الكتاب، تفسير الطبري بدل ما تجلس عشر سنين تنسخه بيوم تشتريه، فتح الباري كذلك صار عندك نسخة من فتح الباري بدل ما تجعل تجلس سنين تنسخه.
أوجس أهل العلم خيفة نظير ما وجد في أول الأمر، يعني ألا تفرقون بين شخص ما في جيبه دليل للهاتف، إذا سمع رقم يهمه حفظه، استمر عنده، وشخص إذا سمع رقم كتبه خلاص هذا آخر علمه بهذا الرقم، ثم عاد جاءت الجوالات وتخزين الأرقام وكذا، لو يضيع لو تحترق الشريحة خلاص انتهى، ما عنده ولا رقم من جديد يبني، هذا الإشكال، هذا الاعتماد على هذه الآلات.