ولذا حد الحسن من أصعب ما يدرس، وهو صعبٌ أيضاً في التطبيق، إلا أن صاحب الخبرة والدربة تتكون لديه ملكة تجعله بالقرائن يحكم عليه أنه في مرتبة لا يطلع إلى الصحيح ولا ينزل إلى الضعيف، ولذا تجدون في النقاد من كثر في صنيعه إلحاق الحسان بالصحاح، وجعل لا يميز بين الصحيح والحسن، وفيهم من كثر إلحاق الحسان بالضعيف، ووصف الأول بإيش؟ بالتساهل، ووصف الثاني: بالتشدد، والسبب في ذلك كون الحسن مرتبة متذبذبة.
فطالب العلم يقرأ مثل هذه الأمور للتمرين يتمرن عليها، لكن إذا أكثر من التطبيق تتضح له الصورة، والعلم علمٌ عملي، وذكرني أحد الإخوة بمثالٍ كنت قد قرأته قديماً للشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله-، قال: لو تحضر كتاب في تعليم السباحة وتعطيه شخص يقرأ هذا الكتاب حفظ كما يحفظ الفاتحة، يحفظه حفظ عن ظهر قلب، وتجي وتحمل هذا الشخص الذي حمل الكتاب وترميه في البحر، فائدته من العلم النظري كبيرة وإلا .. ؟ يمكن يغرق ويموت، يغرق ويموت وهو حافظ للكتاب، هذه العلوم عملية تحتاج إلى مزاولة، فإذا كثر كثرت مزاولة طالب العلم لهذا العلم ومعاناته مع الاطلاع على أعمال أهل العلم في هذا وقراءته تخاريجهم وأحكامهم على الأحاديث -بإذن الله- تتولد إلى ذهنه الملكة، لكن على أن يصحب ذلك سلامة قلب، وإخلاص ونية صالحة، وعفة لسان، لا يلزم أن يكون عرف شيء من علوم الحديث يتهجم على أهل العلم، ويسفه، ويجهل والكبار والصغار، وصحيح وإن ضعفه أحمد، وضعيف وإن .. ، إيش الكلام هذا؟
طالب العلم بحاجة إلى الأدب، بحاجة ماسة إلى أن يتأدب، وهو أولى الناس بأن يكون قدوة لغيره، وإذا أراد طالب العلم أن يتأدب بأدب مناسب يتعامل به مع الكبار فليقرأ مقدمة:(موضح أوهام الجمع والتفريق) للخطيب البغدادي، أو مقدمة معه أيضاً يقرأ مقدمة:(القول المسدد) للحافظ ابن حجر، ويقرأ في:(جامع بيان العلم فضله) للإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر، والجامع لأخلاق الراوي، وكتاب السمعاني في أدب طالب العلم، المقصود أن هناك كتب ألفت في هذا الباب ينبغي أن يكون طالب العلم على علمٍ بها، فيتأدب مع الكبار والصغار، وفي الكتاب ... نعم؟