طيب، أفعل التفضيل (أصح) و (أضعف) و (أوثق)، فلان أوثق من فلان، فلان أضعف من فلان، حديث أصح من كذا، حديث أصح ما في الباب، والحديث أضعف أضعف ما في الباب، أفعل التفضيل مقتضاها عند أهل العربية في الأصل أن يشترك اثنان في صفةٍ يكون أحدهما أقوى من الآخر في هذه الصفة، يكون المفضل أقوى من المفضل عليه في هذه الصفة هذا الأصل، لكن أهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، فإذا قلت: زيد أكرم من عمر لا شك أنهما في الأصل يشتركان في الكرم، ما يمكن أن تقول: حاتم أكرم من أشعب أبداً، يمكن؟ ما يمكن؛ لأن هذا قدح في حاتم، لكن لا بد إذا أتيت بـ (أفعل) التفضيل أن تأتي باثنين قد اجتمع فيهما الوصف وهو الكرم.
وهنا إذا قالوا -يعني أهل الحديث-: حديث كذا أصح من كذا، حديث بسرة أصح من حديث طلق، وبالمقابل إذا قالوا: حديث طلق أضعف من حديث بسرة، إذا قالوا: سالم أو نافع كما هنا، نافع أضعف من سالم، أو قالوا: ابن لهيعة أوثق من الإفريقي، يستعمل في المرويات وفي الرواة، فإذا قالوا: حديث بسرة أصح هل يقتضي أن يكون الحديثان صحيحين؟ هم لا يستعملونها على بابها، بل يكون حديث بسرة أرجح من حديث طلق، لا يقتضي التصحيح هنا، كما أنهم إذا قالوا: حديث طلق أضعف من حديث بسرة لا يقتضي أن الحديثين ضعيفان أبداً، لا يلزم من هذا هذا، بل هم يستعملون أفعل التفضيل لا على بابها، هم يستعملونها. . . . . . . . . في الترجيح، لكن استعمالهم إياها للترجيح مع عدم ملاحظة أصل المادة، فقد يكون الحديثان ضعيفين ويقول: هذا أصح من هذا، يعني أنه أرجح، وقد يكون الحديثان صحيحين، ويقال: هذا أضعف بمعنى أنه أنزل منه درجة، فهو مرجوح بالنسبة إليه، ومثله إذا قلنا: نافع أضعف من سالم هل يقتضي هذا تضعيف سالم أو نافع؟ أبداً، بل هما في أعلى درجات القبول، لكن الأكثر على أن سالم أجل من نافع، وعلى هذا إذا نظرنا إلى ناحية الضعف قلنا: نافع أضعف من سالم، وهذا لا يقتضي التضعيف، كما أننا إذا قلنا: الأفريقي أو ابن لهيعة أوثق من الأفريقي لا يعني أن الراويين ثقتان، فهما يستعملونها على غير بابها، ولذا قال: