والأكثر على أن أول من قالها داود -عليه السلام-، وهي فصل الخطاب الذي أوتيه، المقصود أنها سنة يسن الإتيان بها في المراسلات وفي الخطب، ولا يقوم غيرها مقامها، ولا تحتاج إلى (ثمَّ) قبلها وإن استفاض على ألسنة بعض من ينتسب إلى طلب العلم حينما يقدم يأتي بالحمدلة والصلاة وكذا (ثم أما بعد) لست بحاجة إلى (ثم) لا يوجد في النصوص هذا العطف، إن احتجتها ثانية للانتقال من أسلوب بدأت بـ (أما بعد) بعد المقدمة إن احتجت إلى الانتقال إلى أسلوب آخر تأتي بـ (ثم) تعطف عليها.
ولا أعرفها في مصنفات المتقدمين إلا في نسخةٍ من تفسير الطبري، نسخة خطية من تفسير الطبري، وإن اعتمدها شاكر الذي .. ، محمود شاكر الذي حقق الكتاب، وهو من كبار المحققين، على كل حال العبرة بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"وبعد إن أشرف العلوم" لا شك أن العلم إنما يشرف بشرف المعلوم، "بعد كتاب الصمد القيوم" يعني بعد كتاب الله -عز وجل- الذي هو أشرف الكتب، وفضله على سائر الكلام كفضل الله -عز وجل- على خلقه، ولسنا بصدد بيان فضل القرآن والعناية بكتاب الله -عز وجل-، ذاك له مناسبات أخرى، ولا يخال أحداً من الحاضرين يخفى عليه ذلك، لكن الكلام فيما بعد كتاب الصمد القيوم، وهو علم الحديث، علم الحديث علم شريف.
علم الحديث إذ هو البيانُ ... . . . . . . . . .
المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد كتاب الله -عز وجل-، علم الحديث الذي هو ما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو وصف، لماذا؟ لأنه هو البيان لكتاب الله -عز وجل-.
علم الحديث إذ هو البيانُ ... لما به قد أنزل القرآنُ
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ} لإيش؟ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [(٤٤) سورة النحل] هذه وظيفة النبي -عليه الصلاة والسلام- بيان ما نزل إليه من ربه -عز وجل-، واستقلت السنة بأحكام لا توجد في القرآن؛ لأنها وحيٌ من الله -عز وجل-، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(٣ - ٤) سورة النجم] فما يأتي به النبي -عليه الصلاة والسلام- هو بيانٌ لما أجمل من قوله -جل وعلا-: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [(٣٨) سورة الأنعام].