لماذا ابتدأ مسلم تأليف كتابه ابتداءً وفيه ما يتفق مع ما في البخاري الشيء الكثير، ما اقتصر على زوائد؛ لئلا يتكرر العمل، بل البخاري نفسه لماذا كرر الأحاديث ثلاثة أضعاف في صحيحه أو أكثر من ثلاثة أضعاف؟ إذا تكرر ورود الكلام عليك العلم على ذهنك لا شك أن بعضه يوضح بعضاً، بعض المواضع يكون مستغلق، بعض المواضع يكون أوضح، أيضاً التكرار بدلاً من أن تقرأ المسألة عشر مرات اقرأها في هذه الكتب وإذا انتهيت ضبطت هذه المسائل، ولذا قال:
فلا يملنك ما تكررا ... لعله يحلو إذا تقررا
كم من مسألة قرئت مراراً فإذا وجدت بعد ذلك في كتابٍ بأسلوبٍ أوضح وبدراسة أوعب يطرب لها الإنسان، ما يقول: والله مليت، البخاري حينما كرر الأحاديث -رحمة الله عليه-، هو بالمكرر أكثر من سبعة آلاف، وبدون المكرر ألفين وخمسمائة ثلاثة أضعاف، هل تظنون أن هذا التكرار لا فائدة فيه لنعتمد على المختصرات؟ لا يا إخوان، البخاري -رحمة الله عليه- لا يكرر الحديث الواحد في موضعين بإسناده ومتنه من غير زيادة فائدة سواءً كانت في المتن أو في الإسناد إلا في نحو عشرين موضع فقط، وإذا اقتصرنا على ما لا تكرار فيه، يعني حذفنا كل المكررات ماذا يبقى للأبواب اللاحقة؟ إذا قلنا: والله هذا الحديث مر في كتاب الطهارة فلسنا بحاجة إلى أن نذكره في كتاب بدء الخلق مثلاً ماذا يبقى للأبواب الأخيرة من أبواب الدين؟
نضرب مثال واحد، وهذه مسألة ينبغي أن يوليها طلاب العلم عناية فائقة، يعني كثير من الناس يعمد إلى زوائد كذا زوائد كذا، نعم الحفظ شيء ودراسة الكتب شيء آخر، كتاب الرقاق من صحيح البخاري، وقد أبدع الإمام -رحمة الله عليه- في هذا الكتاب، سواءً كان في انتقاء المرويات، سواءً كان في سياق المتون والأسانيد، سواءً في تراجم أبواب هذا الكتاب، أو فيما يختاره من الآثار، كتاب الرقاق يقرب من مائتي حديث، وترجم على كل حديث بترجمة فقه من الإمام -رحمة الله عليه-، لو رجعنا إلى المختصرات، كم في مختصر الزبيدي في كتاب الرقاق من حديث؟ الأصل مائة وثلاثة وتسعين المختصر كم؟