أليس عندنا الإمام مالك -رحمه الله- نجم السنن في قمة الحفظ والضبط والإتقان؟ ألم يحفظ عنه أخطاء وأوهام؟ وهذا الاحتمال من الإمام مالك ينزل خبره من مائة بالمائة إلى تسعة وتسعين؛ لأنه نجم السنن، لكن غيره قد ينزل إلى خمسة وتسعين، قد ينزل إلى تسعين، قد ينزل إلى ثمانين حسب توافر شروط القبول من عدمه.
القول الثاني: لا يفيد العلم مطلقاً يفيد الظن؛ لوجود هذا الاحتمال، ما في شخص معصوم ما يخطئ، فما دام هذا الاحتمال احتمال النقيض موجود إذاً كيف نجزم بأنه مائة بالمائة والاحتمال موجود؟ إذا قلنا: إنه مائة بالمائة فكأنك تراه، الخبر المتواتر منزل منزلة الرؤية، الرؤية البصرية، يعني لو طلق شخصٌ امرأته أن واقعة الفيل حاصلة تطلق امرأته وإلا ما تطلق؟ تطلق وإلا ما تطلق؟ ما تطلق؛ لأنه حاصل، وجاء التعبير عنها في سورة الفيل:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ}[١ سورة الفيل] قال: الرسول ما رأى، لكن {ألم ترَ} لأنه نُزِّل هذا الخبر المتواتر المستفيض عندهم منزلة المرئي المشاهد.
لكن لو جاءك خبر قيل لك: إن فلان حضر فلان مات من أوثق الناس عندك، هل تستطيع أن تخبر شخص وتطلق امرأتك أن فلان حضر؟ لأن زيد أخبرك زيد من الناس أخبرك، وجود هذا الاحتمال ينزل الخبر، ينزل الخبر من مائة بالمائة لا يحتمل النقيض بوجهٍ من الوجوه إلى نسبةٍ تناسب الشخص المخبر، وعرفنا حجة هؤلاء، الاحتمال قائم.
القول الثالث: أنه يفيد الخبر -خبر الواحد- يفيد العلم إذا احتفت به قرينة، لماذا؟ الآن الاحتمال ما هو بضعيف؟ احتمال النقيض ما هو بضعيف؟ هذه القرينة جبرت هذا الاحتمال، فجعلنا نقطع ونجزم به؛ لوجود هذه القرينة التي صارت في مقابل هذا الاحتمال، إذا لم تحتف به قرينة لا يفيد إلا الظن؛ لأن الظن هو غلبة الراجح، الاحتمال الراجح.