الرجل هذا المبهم لا يعرف اسمه، هناك كتب صنفت في المبهمات في الأسانيد والمتون، وحرص أهل العلم على تتبع الطرق لكشف المبهمات، لكن الرواة من الصدر الأول إذا كان هذا المبهم لا يحسن إظهار اسمه لأنه يسوؤه ما حصل، وقد يتعرض له بالسب والنيل منه فإنهم لا يكشفون عن اسمه يستمر مبهم، وهذا الذي قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغضب)) هذا لا يعرف ستراً عليه؛ لأن قوله -عليه الصلاة والسلام- في وصيته له وتكرار قوله:((لا تغضب)) يدل على أن الرجل عرف بذلك، فكل إنسان يجاب بما يناسبه، كما سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- في مناسبات كثيرة عن أفضل الأعمال فيجيب كل سائل بما يليق به وما يناسبه، ولذا جاءت الأجوبة النبوية تختلف تبعاً لاختلاف أحوال الناس، وهذا لما قال للنبي -عليه الصلاة والسلام- أوصني، قال له:((لا تغضب)) وصية الله -جل وعلا- للأولين والآخرين التقوى، التقوى يعني لو جاء طالب علم يقول لشيخ: أوصني، ثم أوصاه بأمر غير التقوى، هل تكون هناك مخالفة؟ إذا عرف منه أنه طالب علم ومؤهل يعرف عنه الفهم، أو يعرف عنه الحفظ، فيوصيه بما يعرف عنه، عليك بكثرة القراءة إذا كان يفهم، عليك بكثرة المحفوظ إذا كان يحفظ، عليك بكذا وكذا، عليك بالعناية بكتاب الله، عليك بالعناية بسنة رسوله ... إلى آخره، وكل له ما يناسبه.
هذا الشخص يقول الشراح: كأن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف عنه كثرة الغضب، فقال له:((لا تغضب)) هذه وصية من النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذا الرجل ولغيره، لا تغضب، قد يقول الإنسان: أنا والله جبلة أثور لأدنى سبب، يعني كما جبل الأحنف بن قيس على الحلم والأناة يقول: جبلت على سرعة الغضب، وأثور لأدنى سبب، وقد أغضب لغير سبب، قد يخيل لي أن هذا أخطأ علي، أو قال كذا، ثم أغضب عليه، الحلم بالتحلم، كما أن العلم بالتعلم، عود نفسك الحلم، ثم تكون حليماً، ولو أقل الأحوال أن يقف عندك هذا الغضب، ثم إذا حصل عندك هذا الغضب اكظم هذا الغيظ، ولا ترتب الآثار على هذا الغضب لئلا تندم؛ لأن بعض الناس يغضب، لكنه يكظم الغيظ، وجاء مدح الكاظمين الغيظ، وبعضهم يغضب فينفذ ثم لا يلبث أن يندم.