((وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله)) يقرؤون القرآن ((ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة)) ((يتلون كتاب الله)) الذي هو القرآن ((ويتدارسونه بينهم)) في ألفاظه، وفي أحكام هذه الألفاظ، وفي معاني هذه الألفاظ، وفيما يستنبط من هذه الألفاظ من أحكام وآداب وعبر ((يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة)) الطمأنينة ((وغشيتهم الرحمة)) من الله -جل وعلا- ((وحفتهم الملائكة)) وحفتهم الملائكة: يعني احتفت بهم، وصارت حولهم، ومن احتفت به الملائكة هل يحضره الشيطان؟ لا، بخلاف من جلب الأسباب التي تعين الشياطين عليه، الملائكة لا تدخل بيت فيه كلب ولا صورة، والبيت إذا لم تدخله الملائكة دخلته الشياطين، والمكان الذي فيه الملائكة لا تدخله الشياطين، فاختر لنفسك.
((وذكرهم الله فيمن عنده)) الذين يذكرهم الله -جل وعلا- عند ملائكته، يباهيهم بهم، انظروا إلى عبادي، تركوا الراحة، تركوا الأهل، تركوا الأولاد، تركوا الأموال، واجتمعوا يتدارسون كتاب الله في بيت من بيوته، في مسجد من مساجد المسلمين، هؤلاء يذكرهم الله فيمن عنده ذكر مباهاة، و ((من ذكر الله في نفسه ذكره الله في نفسه، ومن ذكر الله في ملأ ذكره الله في ملأ خير منه)).
الناس لتشبثهم بهذه الدنيا، وعدم التفاتهم إلى ما ينفعهم نفعاً حقيقياً تجد الواحد منهم لو قيل له: إن الملك فلان أثنى عليك البارحة في المجلس، أو الأمير فلان، أو الوزير فلان، أو الرئيس، أو المدير، أو الوجيه، ذكرك البارحة في المجلس وأثنى عليك، احتمال ما تنام تلك الليلة، احتمال هذا؛ لأن بعض الناس يؤثر فيه هذا الكلام تأثيراً بالغاً، لكن أين أنت من قوله:((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) أين ذكر الرب -جل وعلا- الذي بيده كل شيء، هو المعطي وهو المانع، وهو النافع، هو الذي ينفع مدحه، ويضر ذمه، الأعرابي لما قال: يا محمد أعطني، فإن مدحي زين وذمي شين، قال:((ذاك الله -جل وعلا-)) أما أنت مدحك لا ينفع وذمك لا يضر، لكن كون الإنسان يمدح من قبل الأخيار هذه علامة خير، لكن كونه يمدح من قبل الأشرار هذه ليست بعلامة خير.