أما الاستفاضة: فهي الشيوع والانتشار، انتشار الأمر بين الناس وشيوعه بينهم بحيث يكون الإنسان ملزم بقبوله، كما يشتهر أن فلان ولد فلان، الناس كلهم يشهدون أن فلان بن فلان، وإنما يشهدون بالاستفاضة؛ وإلا ما منهم واحد حضر لا وقت الوقاع، ولا وقت الولادة، وإنما يشهدون بأن فلان بن فلان؛ لأنه استفاض عند الناس من غير نكير ولم يدعيه غير أبيه، وتكفي في إثبات مثل هذا.
يقول: نحن عدة أشخاص قرأنا هذه العبارة واختلفنا في فهمها، فأرجو منكم توضيحها لنا مأجورين وهي في كتاب:(الدر المنضود في ذم البخل ومدح الجود) للمناوي في صفحة اثنتي عشر ومائة، وثلاثة عشر ومائة، قال:"تنبيه أجمع على أن الجود محمود إلا في النساء؛ لأن المرأة إذا كان طبعها الجود بما يطلب منها قد تجود بنفسها، وقد قال الله تعالى {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [(٣٢) سورة الأحزاب] ولم يمدح أحد من العقلاء كرم المرأة".
لم يمدح أحد من العقلاء كرم المرأة؛ لأن المرأة في الغالب لا مال لها، وإذا جادت فإنما تجود بمال غيرها، إما من مال أبيها، أو من مال زوجها، ولذا يقول العرب: والله ما هي بنعم الولد، نصرها بكاء، وبرها سرقة، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، فالنصوص التي جاءت في الرجال جاءت في النساء، فالنساء شقائق الرجال، فإذا مدح الجود والكرم بالنسبة للرجال، يمدح بالنسبة للنساء، على أن يكون جوداً بمعناه الشرعي، مضبوطاً بضوابطه الشرعية حتى الجود من الرجل قد يجود بما لا يجوز أن يجود به، ويمنع حينئذٍ.
وذكر أبيات هنا لكنها فيها أخطاء مطبعية يمدح امرأة، فيقول:
تنمى إلى القوم جادوا وهي باخلة ... والجود في الخود مثل الشح في الرجلِ
وقال ابن نباتة:
جادت بما جاد الرجال به ... ومن الغواني يحسن البخل
ما أدري، المقصود أن مثل هذا لأن المرأة في الغالب إذا جادت فإنما تجود بمال غيرها، وإذا كثر مدحها قد تستدرج، فهو من هذه الحيثية له وجه، لكن إذا جادت بمالها بما اكتسبته من وجه حلال، وأنفقته في المصارف الشرعية التي جاء الحث عليها فحكمها حكم الرجل.